ارتفاع أسعار القرطاسية في شمال غربي سوريا يثقل كاهل الأسر الفقيرة
في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها سكان شمال غرب سوريا، مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض المساعدات الإنسانية، تواجه الأسر السورية تحديات متزايدة في تلبية احتياجات أبنائها المدرسية.
ومع بداية العام الدراسي الجديد، أصبحت أسعار المستلزمات الدراسية، وعلى رأسها القرطاسية، تشكل عبئًا كبيرًا على العائلات التي بالكاد تستطيع تأمين قوت يومها.
تشير التقارير الميدانية إلى أن أسعار الحقائب المدرسية، التي تتراوح بين 4 و10 دولارات، تعد بمثابة تكلفة باهظة للعائلات التي تعيش تحت خط الفقر.
وتشمل قائمة المستلزمات المدرسية أيضاً الدفاتر والأقلام والأدوات الهندسية، التي شهدت بدورها ارتفاعاً يصل إلى أكثر من 30% مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لمصادر مطلعة.
انخفاض الطلب على القرطاسية
من داخل الأسواق الشعبية في مدينة عفرين، تحدثنا إلى ناجي. س، وهو أحد أصحاب بسطات القرطاسية، قائلاً: “الموسم الدراسي هذا العام ضعيف جداً، الناس بالكاد يشترون ما يكفي لتأمين احتياجاتهم الأساسية، فلقد تراجعت مبيعات القرطاسية بشكل ملحوظ”.
وأوضح في حديثه لوكالة ثقة أن الكثير من الأهالي يكتفون بشراء الدفاتر والأقلام الضرورية فقط، متجنبين الحقائب وأي مستلزمات إضافية، نظراً لعدم قدرتهم على تحمل تلك النفقات.
وأضاف ناجي: “في السنوات الماضية، كانت بعض المنظمات تقدم مساعدات تشمل توزيع القرطاسية والحقائب المدرسية على الطلاب، لكن هذا العام توقفت أغلب هذه البرامج، ما جعل الوضع أكثر سوءًا.”
انعدام فرص العمل يزيد المعاناة
من مدينة إدلب، تحدث (أبو خالد)، أحد أرباب الأسر الذين يعانون من البطالة، لوكالة ثقة قائلاً: “أخرج يومياً للعمل، أجلس مع عشرات الرجال عند مدخل المدينة ننتظر من يبحث عن عمال لنقل الأثاث أو التنظيف، ولكن للأسف، العمل ليس متاحًا بشكل يومي.
وأضاف: أحيانًا لا أجد عملاً لأيام متتالية، وفي ظل هذه الظروف، كيف يمكنني تأمين مستلزمات أبنائي المدرسية؟
يصف (أبو خالد) المشهد أمام دوار المحراب، حيث يتجمع العشرات من الرجال العاطلين عن العمل: “الوضع يزداد سوءًا مع مرور الأيام، فقد أصبح من الصعب جداً أن تجد فرصة عمل، وحتى إن وُجدت، فإن الأجور بالكاد تكفي لسد احتياجات الأسرة اليومية، فما بالك بشراء المستلزمات الدراسية؟
الأسر تواجه خيارات صعبة
وفي ظل هذه الأزمة، تجد العديد من الأسر نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات صعبة بشأن تعليم أبنائها، إذ يفضل بعض الأهالي تأجيل شراء المستلزمات المدرسية على أمل تحسن الوضع أو تكفل إحدى المنظمات بتأمينها، بينما يضطر آخرون إلى إخراج أبنائهم من المدارس للعمل والمساعدة في تأمين لقمة العيش.
وفقًا لما ذكرته منظمات محلية، فإن معدلات التسرب المدرسي ارتفعت في الأشهر الأخيرة، ما يهدد مستقبل آلاف الأطفال.
يقول (أبو مصطفى)، وهو والد لثلاثة أطفال في مدينة سلقين لثقة: “كنت أريد شراء قرطاسية لأطفالي منذ بداية هذا العام الدراسي وإلى اليوم لم أشتري لهم، إذ يذهبون إلى المدرسة بدون قرطاسية جديدة.
وأوضح أنه ومع غلاء الأسعار، اضطررت إلى اختيار الاحتياجات الأهم مثل الطعام والدواء، متابعاً: “لا أريد أن يحرموا من التعليم، لكن لا أستطيع تحمل تكاليف كل شيء في نفس الوقت”.
تدهور الدعم الإنساني
وشكّل انقطاع المساعدات الإنسانية من جهة، وتراجع عمل المنظمات الدولية والمحلية من جهة أخرى عاملًا أساسيًا في زيادة معاناة السكان، إذ كانت هذه المنظمات تلعب دورًا حيويًا في توزيع القرطاسية والمستلزمات المدرسية بشكل مجاني في السنوات السابقة.
ولكن مع توقف الكثير من عقود المنظمات وتوجيه الاهتمام إلى مناطق أخرى، أصبحت الأسر الفقيرة في شمال غرب سوريا تواجه وحدها عبء تأمين احتياجات أبنائها الدراسية.
وبحسب تقارير أممية، فإن نحو 90% من السكان في شمال غرب سوريا يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ومع تضاؤل هذه المساعدات، تزداد التحديات التي تواجهها العائلات في سبيل تأمين متطلبات الحياة الأساسية، بما في ذلك التعليم.
ويجمع مراقبون سوريون أنه إذا استمر ارتفاع أسعار القرطاسية والمستلزمات المدرسية بهذا الشكل دون تدخل سريع من الجهات المعنية، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة معدلات التسرب المدرسي وتراجع مستوى التعليم في شمال غرب سوريا. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية،
ويؤكد المراقبين أيضا أن الأطفال سيُحرمون من حقهم في التعليم، مما يهدد مستقبل جيل كامل ويضع تحديات كبيرة أمام إعادة بناء المجتمع مستقبلاً.