بين الصراع والتحالف.. العلاقات التركية – الإيرانية في سوريا
بقلم: فراس علاوي
وكالة ثقة
يتميز تاريخ العلاقات التركية الإيرانية بأنه تاريخ من العلاقات غير المستقرة تتراوح بين الصراع والتحالف، تتحكم بطبيعة العلاقات المصالح المشتركة القائمة على الجغرافيا والحدود المشتركة والتاريخ والاختلاف بطبيعة النظام السياسي والعلاقات الدولية لكلا البلدين، وهذا مايجعل نقاط الخلاف والتلاقي متعددة وبالتالي فإن لكل حالة من حالات التنافس أو التلاقي الإيراني التركي ظروفها وإشكالاتها .
ففي سوريا تشهد العلاقات التركية الإيرانية نوعاً من التوازن بما يتعلق بتدخل كلا البلدين في سوريا إذ يتفق البلدان في نقطة ويختلفان بنقاط أخرى، كما تتحكم علاقات كل دولة مع الدول الأخرى المتداخلة والفاعلة بالشأن السوري بشكل التقارب والتباعد مع الطرف الأخر وبالتالي وقفت كل الدولتين في طرف مناقض لموقف الدولة الأخرى بداية الثورة في سوريا حيث تنطلق الدولتان في موقفهما في سوريا من نقطتين
الأولى تجعل من العلاقة بين البلدين بحالة شبه صدام.
يرى كلاً من البلدين أن تدخلهما في سوريا يمس أمنهما القومي وهو سبب من أسباب توتر العلاقة بينهما في بداية إنطلاق الثورة السورية حيث تدخل كل بلد لصالح أحد أطراف الصراع في سوريا مما تسبب بارتفاع حدة الخلاف السياسي بينهما، لكن هذه الحدة لم تصل حد الصدام بينهما، والسبب في ذلك يعود لطبيعة المصالح المشتركة بينهما والعلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما المرتكزة على الجغرافية والجيوسياسة.
رؤية كلا البلدين بأن مايجري في سوريا ينعكس على أمنهما القومي جعلت من إيران تقف إلى جانب النظام السوري وتدعمه بشكل مباشر خوفاً من سقوطه وبالتالي انتهاء مشروعها القومي الذي تعمل عليه منذ عقود وشقوط أحد أبرز حلفائها في المنطقة يعني تأثر أمنها الداخلي والقومي بمايجري في سوريا.
بالمقابل وقفت تركيا مع الثورة السورية لعدة أسباب تتعلق بالقرب الجغرافي والعلاقات الديموغرافية على طرفي الحدود وكذلك سياسة حزب العدالة والتنمية، والرغبة التركية بداية الأمر بوصول حكومة سورية تحمل شكلاً مشابهاً لما حدث في مصر بعد وصول الرئيس محمد مرسي للحكم وبالتالي تضمن نجاح المشروع التركي في إنشاء علاقات تحالف في المنطقة.
– النقطة الثانية تجعل من العلاقة بين البلدين في حالة شبه تنسيق
العلاقات الخارجية لكلا البلدين تنعكس أيضاً على العلاقة الثنائية بينهما، ففيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن فترتي وجود أوباما في البيت الأبيض ومحاولته عدم تطوير الصراع مع الإيرانيين جعلت من التقارب التركي /الحليف الأبرز للولايات المتحدة في حلف الناتو /والإيراني ممكناً في ظل عدم صدام المصالح السياسية ووجود نوع من العلاقة الهادئة /الودية / بين الولايات المتحدة وإيران جعل من تقارب الدولتين تركيا وإيران سهلاً بل ومباركاً من الولايات المتحدة، بالمقابل تميزت فترة وصول الرئيس الأمريكي ترمب للحكم بالصدام مع إيران وبالتالي باتت العلاقات بين البلدين /إيران وتركيا / محكومة بتقارب تركيا والولايات المتحدة أو خلافها وهو ماجعل الأتراك يدعمون النظام الإيراني في مواجهةالعقوبات الإيرانية في ظل الخلاف مع إدارة ترمب حول الملف السوري.
كذلك فإن العلاقة مع دول الخليج تتحكم أيضاً بطبيعة العلاقات التركية الإيرانية خاصة بعد الخلاف السعودي التركي والتقارب التركي القطري مما يعني أن العلاقة بين البلدين تحكمها قوانين السياسية والجيوبولتيك.
من ناحية أخرى، فإن موقف كلا البلدين من المسألة الكردية يعتبر عامل تقارب حيث يتفق البلدان على ضرورة عدم قيام دولة كردية على حدودهما سواء شمال العراق أو شمال سوريا كما يعارضان وجود قوة كردية أو دويلة على حدودهما مما يعني ضرورة وجود تنسيق تركي إيراني لمنع قيامها.
من هذا المنطلق وبالرغم من دعم كلا الدولتين لطرف معاد للأخر فلم يحدث أي صدام مباشر بين البلدين، مما يعني حرص كلا الحكومتين على عدم الخوض بصدام مباشر وإن كان الصدام قد حصل أكثر من مرة على الأرض بين شركاء محليين /فصائل المعارضة السورية -المليشيات المدعومة من إيران / لكن ذلك لم يمنع التنسيق السياسي بين الطرفين والذي بلغ أعلى مستوياته عام 2015.
كان التدخل الروسي مفصلياً بما يجري في سوريا، كذلك أثر بشكل واضح على العلاقات التركية الإيرانية إذ كان عامل مشترك للعلاقة بين البلدين، إذ يعتبر الروس حلفاء الإيرانيين في سوريا والتي تقف على الضفة الأخرى من الصراع في سوريا من الموقف التركي، لكن بذات الوقت فالتنسيق الروسي التركي بدا واضحاً مع مرور الوقت، الأمر الذي أفرز تعاوناً سياسياً وتنسيق مواقف بين الأطراف الثلاثة من خلال اللقاءات الثلاثية التي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران.
هذه القمم والتي بلغت الخمسة لقاءات/ بين عامي 2018 و2019 / خلال عامين من التنسيق السياسي والأمني في سوريا نتج عنها محادثات استانا وإجتماع سوتشي وعودة سيطرة النظام السوري على معظم المناطق التي خسرها، إذ بلغ التنسيق أوجه خلال تلك اللقاءات حيث تحمل تركيا وجهة نظر مشتركة ومتطابقة بينها وبين المعارضة السورية وتعتبر ممثلاً لها وضامن لتطبيق التوافقات التي يتم التوصل إليها، فيما تمثل روسيا وإيران وجهة نظر النظام السوري وضامنين لتطبيق التوافقات التي تتوصل لها البلدان الثلاثة.
ومع إقتراب المعارك من الحدود التركية السورية في إدلب والشمال السوري تراجع التنسيق الثلاثي لمصلحة تنسيق ثنائي بين طرفي الوجود المباشر على الأرض /تركيا وروسيا/ وتم استبعاد إيران من المفاوضات وبالتالي تراجع التنسيق بين الطرفين التركي والإيران وعودة العلاقات للفتور بين الطرفين ولعل ذلك يعود لسببين رئيسيين:
– الأول: هو إقتراب المعارك من الحدود التركية وبالتالي تهديد مباشر للأمن القومي التركي من خلال التهديد العسكري أو بموجات النازحين بسبب العمليات العسكرية ودعم النظام الإيراني لعمليات النظام السوري الساعي لإعادة السيطرة على عموم محافظة إدلب وأرياف حلب مما إنعكس توتراً بين البلدين.
– والثاني: هو الموقف الروسي من التحالف مع النظام الإيراني والتراجع الذي أصاب العلاقات الروسية الإيرانية نتيجة الفيتو الدولي على وجود إيران في سوريا، والتنسيق الروسي الإسرائيلي الأمريكي الذي أعقب قمة القدس الثلاثية، الأمر الذي دفع القادة الإيرانيين للتوجس من الموقف الروسي واتهامه بالتنسيق الأمني مع إسرائيل وغض البصر عن استهداف إسرائيل للمواقع الإيرانية في سوريا.
الخلاف الروسي الإيراني إنعكس على التنسيق الثلاثي وفي ظل عدم وجود مصالح إيرانية مباشرة في الشمال السوري لإيران باستثناء رغبتها بتوسع نفوذ النظام العسكري على عكس الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة لتركيا.
هذه الأسباب تسببت بتراجع مستوى التنسيق والتعاون السياسي بين البلدين واستبعاد إيران من القمم التي جمعت الرئيسين التركي والروسي /أبرز تلك القمم قمتي سوتشي وموسكو العام 2019 و2020/ والتي وضعت أسس الإتفاق حول ملف إدلب بعيداً عن التواجد الإيراني والنفوذ العسكري للمليشيات المدعومة إيرانياً ممايعني بروداً في التعاطي مع الملف السوري والإبتعاد عن التشاركية في دعم الحل السياسي في سوريا /على الأقل في الشمال السوري، إلا أنه وبسبب فرض قانون سيزر فقد وجدت الدول الثلات الضامنة تركيا روسيا وإيران والتي تتبنى محور أستانا ضرورة التنسيق فيما بينها بما يخص تعاطيها مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على أي دولة أو كيان يتعامل أو يدعم النظام السوري مما استدعى عودة التنسيق وبشكل سريع فكان الإجتماع الذي جمع رؤساء الدول الثلاث عبر تقنية الاجتماع عن بعد في 1 يونيو تموز 2020 وكان من نتائج اللقاء إعتبار قانون قيصر والعقوبات الناتجة عنه موجهة للشعب السوري في خطوة لتهرب الدول الداعمة لنظام الأسد من العقوبات المفروضة عليها وكذلك دعم إعادة إطلاق اللجنة الدستورية والوضع في إدلب.
بالمحصلة فإن العلاقات التركية الإيرانية هي علاقات تحكمها المصلحة السياسية والاقتصادية ذات شكل براغماتي تحكمه الجغرافيا والمصالح الاقتصادية التي تتحكم بالعلاقة بينهما، كما تتحكم بها رؤية كلا الدولتين لشكل ومستقبل النظام السياسي المستقبلي في سوريا، حيث أن نجاح أي منهما في الوصول إلى علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع النظام السياسي المستقبلي في سوريا تعني فوزه بالتحكم بمنطقة استراتيجية تقلب موازين القوى في المنطقة لمصلحة الدولة الأكثر إنتفاعاً وتدخلاً في هذه العلاقة، فمن يسيطر على سوريا يعني إمتلاك مفاتيح السيطرة على المنطقة والتحول لقوة إقليمية فاعلة في ظل إمتلاك كلا البلدين تركيا وإيران رؤى وأفكار وطموحات توسعية وإمبراطورية في الشرق الأوسط /أحد أسباب السباق على التدخل في سوريا بين إيران وتركيا هو بناء تلك العلاقات لتحقيق التوسع المطلوب والمنفعة السياسية والاقتصاية التي تدعم مشاريعها / من هنا تأتي أهمية الصراع في سوريا بين البلدين، لكنه صراع مقنن ومنضبط وغير منفلت حتى لايتحول لحرب مفتوحة لاتعرف مألاتها.