داعش حصان الثورة المضادة في سوريا والعراق
البرد قارس، أزيز الرصاص في كل مكان، أصوات المدافع الثقيلة تصدر من الجهات الأربع، اشتباكات عنيفة في كل قرية، قبضات اللاسلكي لاتهدأ، منهم من يطلب المؤازرة، ومنهم من يطمئن على مجموعته، ومنهم من يسأل عن طريق سالك .
لم تكن لحظة واحدة، إنما ثلاثة أشهر متواصلة الحال ، هي اشتباكات عنيفة بين الجيش الحر وتنظيم داعش الذي تغلغل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في غفلة منها وانشغالها في المعارك مع قوات النظام .
الزمان :شتاء عام ٢٠١٤
المكان : ريف حلب الشمالي
الحدث : معارك دامية بين الجيش الحر وتنظيم داعش
لقد كنت شاهدا بأم عيني وحاضرا لعشرات المعارك بين الجيش الحر والتنظيم ، رأيت السيارات المفخخة التي أرسلها التنظيم باتجاهنا وعايشت رعبها وصوتها المخيف وضحاياها الأبرياء، تعرضت كما غيري للكمائن والإغتيالات ونجوت منها بأعجوبة، شهدت اشتباكات دامية متواصلة امتدت لأكثر من ثلاثة أيام دون أن تنقطع أصوات البنادق
لم أكن بحاجة لأن أرى اليوم إصدارات التنظيم الدموية على الشاشات ، كل ماكنت أحتاجه هو دواء يحافظ على أعصابي المنهارة وأنا أجمع جثامين أقربائي المذبوحة .
كنت بحاجة لدواء يبقي هيكل جسدي صامداكي لايسقط من هول المشاهد وعظم المصاب وأنا أركض بين الجثث كالمجنون لأتعرف عليها هل بينها صديقي ؟ ام ابن عمي ؟ ام مقاتل جاء يؤازرني !
لثلاثة أشهر متوالية من شتاء عام ٢٠١٤ كانت كل أمنيتي وامنية من معي من مقاتلي الجيش الحر أن ننام لساعتين متواليتين ، كرهت الليل منذ تلك الأيام، هو عندي بمثابة الكابوس المرعب فلابد من ليلة إلا وسأفقد فيها عزيزا، ولابد من معركة مع التنظيم في كل ليلة لأنهم يختارون الليل للإقتحام علينا حيث ينغمس مقاتلوه الإنتحارييون في صفوفنا، لم يكن النهار بأفضل حال كانت طائرات الأسد الحربية تتسلم المهمة، قصف عنيف في النهار ومعارك دامية في الليل مع انتحاريي التنظيم .
لأحيان كثيرة اجتمعت طائرات الأسد ومفخخات التنظيم علينا بلحظة واحدة، لم نكن بحاجة لمن يشرح لنا علاقة التنظيم بنظام الأسد، رأيناها بأم أعيننا ولامسناها بواقعنا
شهدت معارك دامية، رأيت جثث التنظيم المتناثرة لعشرات المرات ، رأيت أسراه وقتلاه ووثائق شخصية لمقاتليه مئات المرات، لثلاثة أشهر وأنا أسمع تهديداتهم لنا عبر قبضات اللاسلكي المخترقة، مازلت أستحضر صوت أبو جبل التونسي وأبو سعد وأبو مؤمن التوانسة ايضا وابو المنذر الأردني وعمر الشيشاني والكثير من القيادات التي تتوعدنا على مدار الساعة بالذبح والتنكيل ويمارسون علينا حربهم النفسية
نعم تلك المعارك أصدقها ، أصدق أن هناك تنظيما يسمى تنظيم داعش، المعارك الدموية وشراسة القتال لاتوصف، في معركة واحدة كنت شاهدا على أكثر من ١٠٠ قتيل من التنظيم وستون قتيلا من الجيش الحر خلال أربع وعشرين ساعة فقط ، هي معارك ومعارك حقيقية ، لم أرى مشهدا واحدا منها اليوم في الموصل والرقة والبادية، لم أرى مشهدا لقتال أو صورة لجثة أو معلما من ارض معركة ، كل مانراه هو حرب من طرف واحدة ، ومشاهد دمار وتهجير وانتقام من الأبرياء مقرفة، ( إن القناعة الراسخة لدينا أن هذا التنظيم وُجد لقتال الجيش الحر فقط، وهي مهمته الوحيدة وحال تنفيذها سيختفي، سيعلنون مقتل البغدادي في ظروف غامضة، واختفتاء مقاتليه بطريقة مضحكة، لقد سهل العالم وجوده وانتقال مقاتليه وتنظيمه وتمويله لقتال الثورة في سوريا بشكل أساسي وليكون ثورة مضادة ومدخلا للمحتل ليمارس إجرامه ، كاد الجيش الحر أن يقضي على التنظيم لوحده ، قتل منه الكثير من القيادات الكبيرة والعناصر الأجنبية الموثقة وطرده من مساحات واسعة دون أن يقتل روحا مدنية بريئة أو يدمر بيتا واحدا ، قبل أن نصحوا على تسليمهم للموصل بأسلحتها وعتادها، فكانت أولى عمليات التنظيم الهجوم على الجيش الحر بالهمر الأمريكية ودبابات البرونز تزامن هجوم التنظيم على الجيش الحر مع هجوم قوات النظام أيضا في حالة تنسيق عالية المستوى، دافع الجيش الحر كثيرا وخسر الكثير واستنزف استنزافا رهيبا، تقطعت أوصاله وانحسر في مناطق ضيقة في مؤامرة هي الأشد إيلاما على الثورة السورية
يتساءل مقاتلوا الجيش الحر اليوم أين شراسة التنظيم في قتالنا بالأمس وأين ألغامه ومفخخاته وتحصيناته وانغماسييوه. كيف يتقدم من يحاربه اليوم لعشرات الكيلومترات بهذه السهولة دون أن يصطدموا بعائق واحد أو يذيعوا خبرا لمقتل عنصر واحد في حين أن القرية الواحدة كانت تكلف الجيش الحر خمسة عشر قتيلا أقل تقدير وشراسة في القتال لايمكن أن توصف فشتان بين داعش التي قاتلناها وداعش التي تدعون قتالها
الكاتب ماجد عبدالنور-وكالة ثقة