شاهد | أطفال إدلب بين الحاويات والفقر.. كفاح من أجل البقاء في مواجهة التدهور الاقتصادي
بين أكوام الحاويات وفي شوارع إدلب، تبرز قصص مؤلمة لأطفال فقدوا طفولتهم وأصبحوا عماد أسرهم في مواجهة الفقر والتحديات الاقتصادية. حيث أصبح البحث في الحاويات مصدرًا رئيسيًا لكثير من العائلات للحصول على ما يسد احتياجاتهم اليومية.
في هذه الظروف المأساوية، يبرز دور الأطفال الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل في جمع المواد القابلة لإعادة التدوير مثل العلب البلاستيكية والنايلون، عوضًا عن الالتحاق بالمدارس. قصة هذا الطفل ليست سوى واحدة من آلاف القصص التي تعكس واقعًا مريرًا يعيشه الشمال السوري.
قصة أحمد مثالاً
في صباحٍ باكر، وبين الأزقة المتهالكة لشوارع إدلب، نجد طفلًا صغيرًا يُدعى “أحمد”، لم يتجاوز الـ 15 من عمره، يتنقل بين أكوام القمامة، يبحث عن ما يمكن بيعه.
يجمع أحمد العلب الفارغة وقطع النايلون التي يستبدلها ببضع ليرات معدودة، لكنها تمثل لعائلته الفقيرة أملًا في وجبة غذاء أو دواء لوالده المريض.
يقول أحمد وهو يمسك بيديه الصغيرتين كيسًا مليئًا بالعلب الفارغة: “نحن نجمع البيبسي والنايلو.. هذا هو عملي اليومي”.
يُضطر هذا الطفل للعمل من شروق الشمس حتى مغيبها ليجمع ما يقارب 20 ليرة سورية فقط. هذه الليرات البسيطة لا تكفي لتأمين الخبز، الذي تحتاجه عائلته يومياً.
يعيش أحمد مع والدته وأبيه المريض وأربع من شقيقاته في بيت بسيط بإيجار يصل إلى 50 دولارًا شهريًا.
والده يعاني من مرض السكري ومضاعفات في الكبد، ولا يقوى على العمل، فيما تعمل والدته (أم أحمد) في المنازل، وتحاول قدر المستطاع المساعدة في إعالة الأسرة، ومع ذلك، تبقى جهودها غير كافية في ظل غلاء المعيشة والتضخم الاقتصادي الذي تشهده المنطقة، وفق حديث أحمد.
ظاهرة متزايدة في الشمال السوري
قصة أحمد ليست حالة فردية، بل هي جزء من ظاهرة متنامية في الشمال السوري. فمع انعدام فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، يضطر الأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في أعمال شاقة، أبرزها جمع المواد القابلة لإعادة التدوير من القمامة.
هذه الظاهرة لا تمثل فقط انعكاسًا للفقر المتزايد، بل تؤكد أيضًا على ضعف الدعم الإنساني وعدم وجود حلول مستدامة لتحسين ظروف العيش في هذه المناطق.
وفقًا لتقديرات منظمات حقوق الإنسان المحلية، فإن آلاف الأطفال في إدلب يعملون في ظروف صعبة، حيث يخضعون لساعات طويلة من العمل في الشوارع والأسواق في بيئة غير آمنة، وغالبًا ما يتعرضون للاستغلال والمخاطر الصحية.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
تعاني إدلب، مثل باقي المناطق شمال غربي سوريا، من تدهور اقتصادي مستمر منذ سنوات، نتيجة الحرب وتراجع الدعم الدولي، الذي أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك الخبز والوقود، مما جعل الحصول على أدنى احتياجات الحياة اليومية تحديًا كبيرًا للسكان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن البطالة المستشرية وغياب المشاريع التنموية يعمقان من أزمة الفقر.
وعلى إثر ذلك، يعيش السكان في ظروف قاسية، حيث يضطرون إلى اتخاذ تدابير يائسة لتأمين احتياجاتهم الأساسية، فبدلاً من أن يكونوا الأطفال في المدارس، أصبحوا جزءًا من القوى العاملة غير الرسمية، مما يهدد مستقبلهم ويحرمهم من فرص التعليم والتطور.
نداءات للتدخل الإنساني
بحسب الناشط الإعلامي “محمود طلحة” فإنه على الرغم من الجهود الإنسانية المحدودة التي تبذلها بعض المنظمات، إلا أن الاحتياجات تتجاوز بكثير ما يتم تقديمه من مساعدات، ولذلك يبقى الدعم الاقتصادي والاجتماعي لسكان إدلب دون المستوى المطلوب، وسط تزايد الطلب على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية.
وأكّد خلال حديثه لوكالة ثقة أن هذه المناطق تحتاج إلى تدخل فوري وشامل من الجهات المعنية، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، لتأمين احتياجات السكان وتوفير فرص عمل كريمة وتحسين الأوضاع المعيشية، كما يتطلب الأمر استراتيجيات طويلة الأمد لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن للأطفال مثل أحمد فرصة في حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا.