لماذا تلاحق الجنائية الدولية نتنياهو وتتجاهل جرائم بشار الأسد؟
بينما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، يوم الخميس، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يواف غالانت، إضافة إلى القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، على خلفية جرائم حرب في قطاع غزة، يبقى رئيس النظام السوري بشار الأسد بعيداً عن أي مساءلة دولية، رغم تورطه بجرائم تصنف ضمن الأشد فظاعة على المستوى الإنساني.
طوال أكثر من عقد، ارتبط اسم الأسد بجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، دون أن تتحرك العدالة الدولية نحوه.
في المقابل، طالت مذكرات المحكمة شخصيات أخرى مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2023، ونتنياهو وغالانت هذا الأسبوع.
وفقاً للخبراء، يعود هذا التباين إلى عقبات قانونية وسياسية، لأن المحكمة الجنائية الدولية، كهيئة اتفاقية وليست تابعة للأمم المتحدة، تعتمد على مسارين لممارسة ولايتها: الأول أن تكون الدولة المعنية موقعة على نظام روما الأساسي، أو أن تقبل طواعية اختصاصها، كما فعلت أوكرانيا.
والثاني، أن يحيل مجلس الأمن الدولي الملف إليها.
في حالة سوريا، لم توقّع دمشق على نظام روما الأساسي ولم تقبل اختصاص المحكمة، بينما منعت روسيا والصين أي إحالة من مجلس الأمن باستخدام الفيتو، بما في ذلك مشروع إحالة عام 2014. هذا الغطاء السياسي والقانوني جعل الأسد في مأمن من الملاحقة، رغم ارتكابه لجرائم مثل استخدام الأسلحة الكيميائية وقتل مئات الآلاف من المدنيين.
في تعليق للمحامي السوري أنور البني حول هذه القضية، اعتبر أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت والضيف قرار قوي ومهم جداً وجريء، وهو مؤشر كبير على أن مساحة الإفلات من العقاب تضيق على مجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
أما فيما يتعلق ببشار الأسد، فإن صلاحية المحكمة لا تسري إلا على الدول الموقعة على اتفاقية روما، أو إذا قبلت الدولة غير العضو اختصاص المحكمة، أو إذا أحال مجلس الأمن الملف إليها، وهذا لم يتحقق في الحالة السورية.
بينما في الوضع الفلسطيني، انضمت دولة فلسطين إلى الاتفاقية، مما سمح بالتحقيق وإصدار مذكرات توقيف.
وفي الوضع الأوكراني، قبلت الحكومة اختصاص المحكمة، ما أدى إلى إصدار مذكرة توقيف بحق بوتين”.
ورغم أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية تعد خطوة مهمة نحو تضييق الخناق على مرتكبي الجرائم الدولية، فإنها تكشف أيضاً عن خلل كبير في منظومة العدالة الدولية التي تخضع للاعتبارات السياسية والدبلوماسية.
فيما يبقى الإفلات من العقاب واقعاً يثقل كاهل الضحايا، إلا أن استمرار الضغط القانوني والسياسي قد يفتح الطريق أمام محاسبة جميع المجرمين، وعلى رأسهم بشار الأسد، مهما طال الزمن أو تعقدت الظروف.