مجلة “فورين بوليسي” الأميركية: العقوبات لن تُصلح دكتاتورياً كالـ”الأسد” بل إنها تُعاقب الشعب السوري
قارنت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في مقال للكاتبة أنشال فوهرا، بين أحوال الشعبين السوري والعراقي تحت حكم كل من الرئيسين بشار الأسد وصدام حسين.
وقالت الكاتبة في مقالها الذي حمل عنوان: “سوريا الأسد بدأت تجوع مثل عراق صدام”، إن العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على النظام الحاكم في سوريا دفعت البلاد نحو حافة المجاعة. وأضافت أن سوريا الأسد تتضور جوعاً مثلما كان عليه حال العراق إبان حكم صدام.
وأوضحت أن القصف الأعمى من قبل النظام السوري وحلفائه الروس طوال 9 سنوات من الحرب الأهلية أحال البنية التحتية في البلاد إلى خراب، فكان أن تراجع الإنتاج الغذائي وأُهمِل التوليد الكهربائي والصناعات الأخرى، وتعثر الاقتصاد -المرتبط بنظيره اللبناني- لفترة من الزمن.
لكن، في وقت مبكر من هذا العام، مع تفكك السياسة النقدية في لبنان وفرض قيود على رأس المال لتجنب التهافت على البنوك، تم حظر ودائع بمليارات الدولارات للشركات السورية. يزعم الأسد أن البنوك اللبنانية تحتفظ بما لا يقل عن 20 مليار دولار من أرباح السوريين، والتي، إذا كان من الممكن الوصول إليها، ستُحل الأزمة الاقتصادية السورية دفعة واحدة.
وتابعت فوهر أن مواقع التواصل الاجتماعي تغص بصور مئات السوريين، وهم يصطفون أمام المخابز لشراء الخبز المدعوم، وأرتال السيارات، وهي تنتظر لساعات أمام محطات الوقود.
وبحسب الكاتبة، يعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين الآن تحت خط الفقر. أدى اليأس من أجل تغطية نفقاتهم إلى ارتفاع في الجريمة، فيما عصابات تهريب البضائع المهربة والأسلحة والمخدرات، فضلاً عن اختطاف الأشخاص من أجل الحصول على فدية، تتفشى في عدة أجزاء من البلاد.
وفي حين أن هذا كله مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعقود من الفساد وسوء الإدارة والسحق الوحشي للأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، يقول بعض النقاد إن الأزمات هي أيضاً نتيجة للعقوبات الأميركية.
وتحدثت عن مقارنة مقلقة تجري حول ما إذا كانت العقوبات ستكون قاسية ومدمرة للذات في سوريا كما كانت في العراق قبل عقدين. الأرقام متنازع عليها، لكن وفقًا لإحدى الدراسات، قيل إن نصف مليون طفل ماتوا في العراق نتيجة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة. ظل صدام حسين ديكتاتوراً كما كان دائماً ولم يُطح به بعد سنوات من المعاناة إلّا عندما هاجمت الولايات المتحدة بجيشها.
وقالت فوهر إن “الهدف من عقوبات قيصر هو بالمثل إجبار النظام السوري على تغيير سلوكه تجاه شعبه من قاتل إلى ملائم أكثر”. وقال دبلوماسيون غربيون كبار لمجلة “فورين بوليسي” في مناسبات عديدة إن العقوبات هي آخر وسيلة للغرب ضد الأسد للضغط عليه للإفراج عن السجناء السياسيين، وضمان العودة الآمنة للاجئين، والموافقة على المصالحة السياسية التي، إذا تم تنفيذها بصدق، ستعني في النهاية تركه السلطة.
ويصرون على أن دفع تكاليف إعادة الإعمار في سوريا، بما في ذلك البنية التحتية مثل محطات الطاقة وأنظمة الري الضرورية للأمن الغذائي والحياة اليومية للبلاد، سينتهي به الأمر إلى تقوية قمع النظام. وهم لا يعتزمون السماح للأسد بالنجاح في ذلك، على الأقل ليس إلّا إذا قدم تنازلات كبيرة.
لكن آخرين يقولون إن العقوبات لا يمكن أن تصلح دكتاتوراً لا يمكن إصلاحه، وإنها مجرد معاقبة للشعب السوري. ويفترضون أن الشعب السوري، كما هو الحال في العراق، يتحمل وطأة العقوبات بينما لا يواجه الأسد وأعوانه نقصاً في الغذاء أو الوقود.
وتقول بينت شيلر، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة “هاينريش بول” الألمانية، إن العقوبات الأميركية على قطاعات اقتصادية بعينها كان لها أثر سلبي على المواطنين العاديين، بينما استهدفت العقوبات، التي فرضها الاتحاد الأوروبي، قطاعات كبيرة شملت حظر السفر على المسؤولين في النظام السوري ووكلائه استناداً إلى الأدوار، التي أدوها في انتهاكات حقوق الإنسان.
ويرى آرون لوند، المتخصص في الشؤون السورية بوكالة أبحاث الدفاع السويدية، إن العقوبات الأميركية والأوروبية جاءت مع استثناءات للأنشطة الإنسانية والتجارة المدنية المشروعة. ومع ذلك، كانت الشركات تميل إلى الخوف من أن يكون لها أي علاقة بدولة خاضعة للعقوبات، وذلك ببساطة لأنه فهم القواعد كان معقداً للغاية ولم يرغبوا في تحمل أي مخاطر. ويضيف “تتجنب الشركات حتى التجارة المسموح بها ، وذلك ببساطة للابتعاد عن المخاطر والمشاحنات القانونية. عندما تقرر البنوك الدولية أو شركات الشحن أن التعامل مع نظام العقوبات لا يستحق العناء، فإن هذا يجعل الواردات صعبة ومكلفة في جميع المجالات”.
وأضاف المقال أنه حتى السوريون المعارضون للنظام بدأوا يقولون إن العقوبات ضد قطاعي النفط والغاز والبناء تضر الناس أكثر من النظام. جعلت العقوبات البضائع أكثر تكلفة على السوريين العاديين.
في مواجهة الأسد العنيد والمتصلب، تواجه الولايات المتحدة معضلة مستحيلة، بحسب فوهر التي تضيف أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يكرر على غرار حرب العراق حرباً من شأنها أن تطيح بالأسد لكنها تلزم الولايات المتحدة بدولة أخرى في المستقبل المنظور.
ومع ذلك، فإن المسألة السورية لا تزال دون حل. بعد تسع سنوات، يواجه نائب أوباما، الرئيس المنتخب جو بايدن، تحدياً مختلفاً: “كيف نوقف المجاعة في سوريا ونساعد الناس على إحياء حياتهم دون إفادة الأسد”. إن شعور زملائه السابقين في إدارة أوباما، الذين شاهدوا الحرب السورية تتحول إلى حالة من الفوضى، بالذنب سوف يحثّه على الاهتمام بشدة. أمّا إلى أي مدى ستكون سوريا على قائمة أولويات الرئيس المقبل، فهذا أمر آخر، تختم فوهر مقالها.
المصدر: المدن