من يقرر مصير السوريين؟
اعتاد المهتمون بالشأن السوري على مقولة يرددها الرئيس الروسي “بوتين” في كل المناسبات ومنذ اندلاع الثورة: أن مصير السوريين ورئيس سوريا لا يحدده إلا السوريون أنفسهم، رافضاً لهذا السبب تدخل الأمم المتحدة عبر الفيتو الروسي في سوريا، كذلك اعتمد بشار الأسد والجعفري و جميع المتحدثين باسم النظام السوري هذه المقولة لتبرير عدم تنازل الأسد الابن عن السلطة التي ورثها.
يجتمع اليوم ممثلون عن “روسيا و إيران و تركيا” في العاصمة الكازاخستانية أستانا، و لا يجوز للنظام أو للمعارضة التدخل في شؤون هذه المفاوضات التي تقرر مصير سوريا دون تدخل خارجي!
نعم المقولة كانت: “السوريون يقررون مصير سوريا ونرفض التدخل الخارجي”، و صارت: “التدخل الخارجي يقرر مصير سوريا ونرفض تدخل السوريين!”.
السيناريوهات القادمة مخيفة للطرفين “المعارضة و النظام”، النظام الذي ربما يخسر جزءاً من السلطة و قد ينفى بعض رجالاته، عدا عن المطالب بإضعاف نفوذ إيران في مناطق سيطرته.
والمعارضة التي ربما لن تنال ما طمح إليه الشعب السوري من حرية سياسية و إفراج عن المعتقلين وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية ومحاسبة مجرمي النظام على رأسهم بشار.
الكعكة السورية تقسّم اليوم في حفلة دولية في الأستانا و بحسب المصالح الدولية والإقليمية، والسوريون يأكلون البوشار و هم يتابعون الحفل المقام على شرفهم لتحديد مصير بلادهم.
من الذي أوصل الثورة إلى هذه المرحلة ومن المسؤول ومن المسبب الرئيسي و ما الذي يستطيع فعله ساسة المعارضة و دبلوماسييها مع المساحات الضئيلة التي تسيطر عليها المعارضة في البلاد مقارنة ب ٦٥٪ منها كانت تحت سيطرتها في ٢٠١٣؟
الإجابات كثيرة ومختلفة أكثر من عدد الفصائل بتسمياتها المتعددة التي كانت تسيطر على المناطق المحررة، لكن السياسيون وعلى رأسهم الائتلاف و هيئة التفاوض يقفون اليوم أمام تحدٍّ مصيريّ، قد يكون الفرصة الأخيرة لهم أمام التاريخ بالتحرك الصحيح، وبقراءة المتغيرات الدولية ومعرفة الوقت المناسب للرفض وللموافقة والوضوح والشفافية أمام الشعب السوري.
سيناريوهات متعددة تواجه مناطق سورية تسيطر عليها المعارضة المسلحة في الوقت الحالي، تتوازى مع توقعات ببدء الانتقال السياسي بعد الوصول إلى وقف اطلاق النار الكامل في سوريا، هذه السيناريوهات تتصدرها محافظة ادلب و فصيل هيئة تحرير الشام الذي يسيطر عليها بشكل شبه كامل بعد ابعاده لفصيل أحرارالشام من المنطقة الشهر المنصرم.
السيناريو الأول -بحسب التسريبات- يقول بأن إدلب سوف تصبح منطقة تركية شبيهة بمنطقة درع الفرات، و بأن المعارك ضد النصرة قادمة خلال أسابيع قليلة و ربما أيام، بينما تعتقد أصوات مقربة من النصرة بأن الجولاني أوجد الحل الضامن لبقاء تواجد فصيله -المصنف ارهابياً- في إدلب عبر مشروع الإدارة المدنية و خطوات تفاوضية أخرى، أما ريف دمشق والمناطق الشرقية من سوريا فهي عرضة لتنازل مجاني آخر لإيران والنظام على حساب المعارضة بحسب تلك التسريبات.
و تبدو مفاوضات الأستانا اليوم بأنها الخطوة الأخيرة من التجهيز للمفاوضات التي سوف تنقل البلاد -بعد الانتهاء من مسألة النصرة- إلى وقف كامل لإطلاق النار من ثمّ الانتقال إلى خطوات تنفيذية في الحل السياسي بحسب قرارات الأمم المتحدة ذات الشأن.
السيناريو الثاني هو اندماج النصرة سياسياً في المجتمع الدولي! و قبول تمثيلها كأحد المفاوضين و المسيطرين على بقعة واسعة من الأرض السورية، وهو ما تطمح إليه النصرة لكن احتمال حدوثه و بحسب المؤشرات ضعيف للغاية، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تقنعها تنازلات النصرة الخجولة كانفصالها عن القاعدة و تغيير اسمها إلى “فتح الشام” و من ثمّ إلى “هيئة تحرير الشام” بالإضافة إلى التغيير الطفيف في خطابها.
أما السيناريو الثالث فهو يتعلق أيضاً بمنطقة ادلب التي من المتوقع اشتعال المعارك فيها قريباً، وهو استمرار المعارك الطاحنة لوقت طويل تتغير خلاله المعادلات الدولية و الإقليمية، و هو ما تطمح إليه “هيئة تحرير الشام” أو “النصرة سابقاً” و النظام و الميليشيات الشيعية و ترفضه روسيا و باقي الدول اللاعبة في المنطقة.
قد تكون فكرة “مناطق خفض التوتر” نجحت إلى حدّ ما، و باتت ألوان الخريطة السورية واضحة مع تقلص اللون الأسود “داعش” باستمرار على حساب “قسد” و “النظام”، و بالمقابل أما ثبات اللون الأخضر “المعارضة و النصرة” على حاله أو تقلصه أحياناً بعد أستانا ما، غير أن ما اعتاده المراقبون والمهتمون بالشأن السوري طوال سنوات هو أن لا ثابت في القضية السورية مهما أشارت الدلائل إلى ثابتٍ ما، و أن لا توقعات مبنية على أرضية الواقع السوري يكفل تحقيقها أحد، فمن توقع سقوط النظام في ٢٠١١ على يد الشعب ومظاهراته السلمية، و في ٢٠١٣ على يد الولايات المتحدة، هو نفسه الذي يتوقع سقوطاً لثورة المليون شهيد اليوم، على حساب المجرمين و بمساعدة إيران وروسيا.
الكاتب: وائل عادل-وكالة ثقة