هل يقدم نظام الأسد على تعويم الليرة السورية؟ (تحليل)
برزت مؤخرا دعوات لتعويم الليرة السورية بعد الانهيار غير المسبوق لسعر صرفها أمام الدولار ما قد يؤي في حال تنفيذه إلى مزيد من الضغط الاقتصادي على السوريين في مناطق سيطرة النظام.
ونشرت وكالة الأناضول تحقيقا مفصلا حول مكاسب ومخاطر تلك الخطوة فيما يلي نصه:
رغم ما يمكن أن يحققه نظام بشار الأسد، جراء إلغاء دعم السلع وخصخصة عدد كبير من القطاعات والشركات بالعملة الصعبة، إلا أن افتقاره لأدوات التحكم في سوق الصرف بسبب الحصار والعقوبات، يجعل من هذا الاحتمال بعيدا، على الأقل في المرحلة الحالية.
دواعي التعويم
منتصف مارس/آذار الجاري سجل سعر صرف الليرة السورية مستوى متدنيا قياسيا، ليصل سعر الدولار في السوق السوداء 4190 ليرة للشراء و4250 ليرة للبيع، مقابل 1250 ليرة السعر الرسمي لدى البنوك.
وقبل اندلاع الثورة في 2011، كان الدولار يصرف بنحو 47 ليرة فقط، ما يعني أن الليرة السورية فقدت 89 ضعف قيمتها في عشر سنوات.
ونجم عن الانهيار في سعر العملة المحلية، ارتفاع غير مسبوق بأسعار السلع، وبات التجار يتحكمون بالأسعار، فيما يقف النظام عاجزا عن ضبطها.
مكاسب محتملة
يرتبط تعويم العملة عادة بإلغاء أو تقليل الدعم الحكومي لأسعار السلع، والذي يقدره خبراء في سوريا بنحو 200 مليار ليرة سنويا (حوالي 160 مليون دولار بالسعر الرسمي، و48 مليون دولار بسعر السوق السوداء).
ويمكن للنظام السوري إلغاء هذا الدعم من خلال تقليل العجز في الموازنة العامة.
وقدرت الحكومة السورية عجز الموازنة لعام 2021، بنحو 3484 مليار ليرة (حوالي 2.8 مليار دولار بالسعر الرسمي وحوالي 829.5 مليون دولار بأسعار السوق السوداء).
كما يتطلع النظام السوري إلى خصخصة عدد كبير من القطاعات والشركات الحكومية؛ وفي حال تعويم العملة فإن عائدات عمليات الخصخصة ستكون بالقيمة الحقيقية لأسعار النقد الأجنبي، والتي توازي أسعار السوق السوداء.
وارتبطت تجارب الدول العربية الخمس، التي عومت عملاتها حتى الآن، جزئيا أو كليا، وهي مصر واليمن والمغرب والعراق والسودان، ببرامج إصلاح اقتصادي بإشراف صندوق النقد الدولي، وكانت شرطا للحصول على تمويل من الصندوق والمؤسسات الدولية الأخرى.
وفي حالة سوريا، فإن تعويما محتملا للعملة قد يجعل النظام أكثر قبولا من جانب المجتمع الدولي عموما، والمؤسسات المالية الدولية على نحو خاص، لا سيما وأن تحرير الاقتصاد يشكل أحد مطالب المعارضة السورية.
محاذير التعويم
غير أن تعويما محتملا للعملة السورية، سيكون ثمنه باهظا على المواطن السوري، إضافة إلى افتقار النظام لأدوات نقدية تمكنه من السيطرة على أسعار الصرف في ظل العقوبات.
على صعيد المواطن السوري، فإن التعويم واسترشادا بتجارب معظم الدول الأخرى، سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع، وبالتالي خروج التضخم عن السيطرة.
ويقدر خبراء الاقتصاد أن معدل التضخم حاليا في البلاد تجاوز 250 بالمئة.
في المقابل، فإن متوسط رواتب موظفي القطاع العام ما زالت عند مستوى 50 ألف ليرة شهريا (حوالي 40 دولارا بالسعر الرسمي و13 دولارا بسعر السوق السوداء” شهريا، وهو يعادل ما قيمته 700 ليرة فقط قبل الثورة.
في المقابل، فإن تكاليف المعيشة للأسرة من 5 أفراد تتجاوز 700 ألف ليرة (560 دولارا)، وفق مؤشر تكاليف المعيشة الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء السوري، بنهاية 2020، نصفها (حوالي 350 ألف ليرة) بالكاد يكفي لتغطية حاجة هذه الأسر للطعام.
شح الدولار
وسواء أقدم النظام السوري على تعويم جزئي أم كلي للعملة المحلية، فإنه سيواجه معضلة كبرى في توفير نقد أجنبي كاف لضخه في الأسواق، للحفاظ على استقرار الليرة.
الحفاظ على استقرار الليرة سيكون صعبا في ظل عقوبات اتسع نطاقها على سوريا بموجب تطبيق الولايات المتحدة لقانون “قيصر” بدءا من يونيو/حزيران 2020.
كما يواجه النظام السوري، جراء العقوبات صعوبات في تدفق السلع من وإلى سوريا، ما يجعل من تحقيق التوازن بين العرض والطلب أمرا في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا.
ضعف المركزي
ويواجه المصرف المركزي السوري حالة من الضعف الشديد، جراء محدودية تأثير قراراته بتحديد أسعار الفائدة على أسعار الصرف، واقتصارها على التعامل بين البنوك، فيما تحدد الأسعار الحقيقية من قبل التجار في السوق السوداء.
وبدلا من الآليات المعروفة في الدول الأخرى لضبط سعر الصرف، وهي غالبا أسعار الفائدة وحجم النقد الأجنبي الذي تضخه السلطات النقدية في الأسواق، فإن محاولات ضبط سعر الصرف في سوريا تعتمد على إجراءات أمنية عبر منح التراخيص للصرافين.
** ولاية نقدية محدودة جغرافيا
وما يزيد من تعقيد الأوضاع المالية والاقتصادية في سوريا، اقتصار الولاية النقدية لليرة على مناطق سيطرة النظام، وهي المناطق التي تشهد تقلبات حادة في الأسعار.
بينما التقلبات أقل حدة في مناطق تسيطر عليها المعارضة، مثل شمال سوريا حيث تستخدم الليرة التركية في إدلب ومحيطها على سبيل المثال.