الخمينية الأسدية.. علاقة عضوية ومصير مشترك
بقلم: عبد الجبار العكيدي
وكالة ثقة
لعله من الضروري بدايةً بيان ماهية العلاقة بين دمشق وطهران، ذلك أن طبيعة الروابط المؤسسة بين البلدين هي التي أفضت إلى ما يجمع بين الكيانين (الأسدي والخميني) في الوقت الراهن، إذ يمكن التأكيد على أن ارتباط نظام الأسد بنظام الملالي لا يعود إلى سنوات قليلة مضت وإنما يصح القول إن هذه العلاقة تأسّست منذ وصول الخميني الى السلطة عام 1979، وحينها سارع حافظ الأسد للانسلال التدريجي من المحيط العربي ونحا باتجاه إيران، التي بدأت علاقته معها تتخذ طابعاً استراتيجياً وليس علاقة قائمة على تبادل المصالح الآنية والقريبة، ولعلّ وقوف حافظ الأسد إلى جانب إيران طيلة ثمان سنوات من حربها مع العراق كانت رسالة مُقنِعة للعرب والعالم جميعا ًبأن النزعة الطائفية لدى كلا النظامين الأسدي والإيراني هي الناظم الأقوى من أية شعارات أخرى، سواء أكانت قومية بالنسبة للأسد او دينية بالنسبة لإيران.
لقد ورث الأسد الإبن من أبيه علاقة قوية بل تكاد تكون عضوية مع إيران، وقد جمعهما محور سياسي يدعى محور الممانعة والمقاومة، وتحت الشعارات المنبثقة من هذا المحور الزائف مارس كلا النظامين ما يكفي من الموبقات التي باتت تشكل خطراً هائلاً على المنطقة برمتها.
ربما كانت انتفاضة الشعب السوري عام 2011 فرصة لإيران لتعلن وصايتها العلنية على الكيان الأسدي، باعتبار أن الثورة أضعفت الأسد وكشفت جل عوراته، وهذا ما جعل طهران تجد المدخل المناسب للهيمنة على مفاصل الدولة السورية مستغلة حالة الانهيار لدى حاكم دمشق وحاجته إلى من يبقيه في السلطة ولو على حساب ارتهان البلاد بالمطلق.
يمكن القول بكل تأكيد أن إيران لا تبحث في سوريا عن مصالح سياسية أو اقتصادية أو دينية فحسب، بل ما تريده أن تكون سوريا مجالاً حيوياً للمشروع الإيراني القائم على التوسع والانتشار باستمرار، ولئن كان من الصحيح أن الخميني صاحب مشروع قومي بالدرجة الأولى إلا أن الجانب الطائفي هو المحرك والوقود المشغل لهذا المشروع، ولذلك كانت الميليشيات الطائفية الشيعية هي الأذرع التي يحركها نظام الملالي أينما شاء وكيفما أراد.
ولئن شهدت البلاد السورية نشاطاً طائفياً واضحاً منذ العام 2006، وتجسد عبر انتشار الحوزات وحملات التشييع في عدد من المحافظات والبلدات السورية، إلا أن البلاد السورية باتت أبوابها مشرعةً بالكامل امام ميليشيات إيران التي لم تعد تكتفي بمهام التبشير الديني فحسب بل باتت تسعى للهيمنة على جميع مفاصل البلاد، وربما بدأ الجانب العسكري هو أكثر هذه المفاصل وضوحاً، فمعظم ضباط جيش النظام ولائهم الطائفي لإيران أكثر من ولائهم للدولة السورية، والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد ولائها ومصادر قوتها وتمويلها من إيران، ومن يسيطر على الموانئ البحرية والمعابر الخارجية للبلاد هي ميليشيات ايران المنتشرة من درعا جنوباً وحتى البوكمال في اقصى شرق سوريا، بل يمكن الذهاب إلى أن ميليشيات إيران هي من تسيطر على الريف الدمشقي وخاصةً الشريط المحاذي للبنان ليكون جسراً إلى حزب الله اللبناني، وكذلك من جهة الجنوب من خلال تحويل حي السيدة زينب إلى ثكنة عسكرية، بدأت تكبر وتتوسع، حيث تقوم تلك الميليشيات اليوم بالانطلاق من هذا الحي شرقاً وشمالاً باتجاه الغوطة ومطار دمشق الدولي، موازاةً مع سعيها للسيطرة والاستحواذ على المزيد من العقارات بمختلف اشكالها (مزارع، بيوت، محلات) وإفراغها من أصحابها ليحل محلهم وافدون أفغان وباكستانيون وطائفيون من كل بقاع الأرض، وتكاد تكون بعض المدن قد أُفرغت تماماً من سكانها الأصليين كما هو الحال في داريا.
على أية حال لا يمكن الحديث عن هيمنة إيرانية على سوريا من جانب أو جوانب محددة، بل إن منهج إيران في أحكام قبضتها على المقدرات السورية يتقوم على التغلغل ومن ثم السيطرة الكاملة التي يتزامن العمل فيها على كافة المستويات سياسياً ودينياً واقتصادياً واجتماعياً، ثم يبدأ العمل على مسألة التذويب الثقافي والإجتماعي للسوريين من خلال استغلالها لظروف الحرب والسعي الممنهج للهدم الثقافي والقيمي للمجتمع السوري، وبناء على ذلك كانت حملات التجنيد التي تقوم بها أذرع إيران في كافة المحافظات السورية مستغلة البؤس المعيشي للسكان، ومن ثم العمل الممنهج أيضاً ليس على الترويج للمخدرات فحسب بل إن إيران تريد من المجتمع السوري أن يكون المنتج الأول للحشيش والكبتاغون الذي بات مصدراً من مصادر تمويل تلك الاذرع في المنطقة.
إن خطر إيران اليوم لم يعد محصوراً في البلاد السورية بعدما أفلح بالسيطرة شبه الكاملة على مفاصل مؤسساتها ومقدراتها، وإنما بات يهدد المنطقة بكاملها، بل يمكن التأكيد على أن العالم المتحضر أصبح اليوم في عملية تحدٍ واضحة أمام الكيان الإيراني الذي يتطلع إلى الإنتشار والتوسع كسبيل للبقاء.