الصيف في اللاذقية بحضور الشبيحة والفساد
هل أنت من المهتمين بزيارة مدينة اللاذقية في الموسم السياحي القادم؟؟ هل تجهل كيفية قضاء أجمل الأوقات فيها والأماكن التي يمكن أن تزورها لتعيش تجربة صيفية مميزة؟؟؟ لا تقلق ، سنعطيك بعض النصائح والإرشادات التي نأمل التزامك بها، ليكون صيفك معنا في مدينة اللاذقية كما وصفته وزارة السياحة في حكومة النظام بقولها أنه سيكون صيفاً ” لن ينسى”.
لاتسرع…نحن بانتظارك
تقود الشابة العشرينية سيارتها في منطقة الكورنيش الغربي المجاور لمبنى المحافظة، تتأهب لقطع الإشارة والالتفاف عند الدوار المقابل لمبنى نادي الضباط، تباغتها من الخلف سيارة رباعية الدفع بزجاج غامق محاولة تجاوزها، لا تلتفت الفتاة وتتابع سيرها مما ازعج صاحب السيارة المستعجل، وهنا يصدح صوت زمور ” الفيدرالي” المرعب الذي تتفرد به سيارات الشبيحة في اللاذقية مما أربك الفتاة وجعلها تفقد السيطرة وتجنح عن الطريق مسببة حادثاً مرورياً كبيراًَ، تلوذ السيارة الضخمة بالفرار وتنقل الفتاة إلى المستشفى بسبب جروحها، وعند سؤال شرطي المرور المتواجد هناك عن صاحب زمور الفيدرالي، يجيب وبكل برود” لا أدري…لم يمر أحد من هنا”.
حادث بسيط يحصل بشكل يومي في شوارع المدينة يعطي فكرة واضحة عن وضع القيادة فيها، لاسيما مساء، الطرقات والشوارع الرئيسية تصبح ملكاً لشبيحة الميلشيات والشخصيات الكبيرة المقيمة في المدينة، مجرد إعطاء إشارة بالضوء العالي من خلفك تعني أنه “عليك أن تفسح الطريق”، وويل ثم ويل لك إن لم تستجب، وإن لم تكن مضطراً فلا داع للقيادة في أحياء الزراعة والرمل الشمالي ذات الغالبية العلوية، بالأمس فقط ضربت إحدى السيارات شابا وفتاة يحاولان قطع الطريق، وتابعت سيرها بسلام.
الكل يحمل سلاحاً في الأحياء المذكورة، حتى سائقو خطوط جبلة والدائري الشمالي، فهؤلاء هم الاكثر تهوراً واستخداماً له، ويؤكد ريان (33 عاماً) ان الاختناقات المرورية في هذه الأماكن غالباً ما تنتهي باستخدام السلاح الذي يشرع عالياً وسط تجاهل شرطة المرور التي تعتبر مكملا بصرياً لا معنى له في كثير من الأحيان، ” تتطلب القيادة في هذه المدينة نفساً طويلاً وصبراً جليلاً، السيارات ذات الزجاج الاسود هي المصيبة، لا يوجد حسيب او رقيب، ومع انقطاع التيار الكهربائي تغيب إشارات المرور، فنضطر لتنظيم السير بأنفسنا” يضيف ريان مستحضراً إعلاناً سورياً قديماً يحض على التهمل في القيادة، ” نحن نتمهل مجبرين، وإلا ستكون حياتنا هي الثمن”.
انتبه شبيح
لا يختلف المشهد كثيراً في المنتجعات السياحية الكبيرة التي تنتظر بدورها موسما ساخنا يعوضها خسائر أعوام خلت، أحد العاملين في منتجع روتانا أفاميا أكد أن المواسم السابقة كانت حكراً على أبناء المسؤولين والشبيحة، وهؤلاء لا يأتون فرادى، بل لابد من وجود حماية أمنية خاصة بهم تنتشر على طول الشاطئ وعرضه، وفي حال حضور شخصية هامة أخرى للمكان، لابد أن يتوج اللقاء بصدام بين الجانبين ينتهي بعراك كبير، والسبب دائماً وأبداً ” فتاة” على حد تعبير مصدرنا الذي ذكر أن”حادثة صدام شبيحة أيمن جابر قائد ميليشيا مغاوير البحر مع ابن منذر الأسد خلال العام الماضي، ظهرت أولى ملامحها أثناء اصطياف الفريقين في الشاطئ الأزرق، لكنها حصلت على استثناء على اعتبار أن السبب كان اختلافاً على اصطفاف السيارات”.
أسعار هذه المنتجعات لا يتناسب مع التهتك الاقتصادي الذي تعانيه الأسرة السورية، فقضاء ليلة واحدة لشخصين في منتجع الشاطئ الأزرق يتطلب مبلغ أربعين الف ليرة سورية ويزداد الرقم اضطراداً مع زيادة عدد الأشخاص، والحال ليس أفضل في فندق لاميرا ” المريديان سابقاً” مما يجعل هذه الأماكن حكراً على أثرياء حرب تغص بهم المدينة، والذين يتطلب الاصطياف قربهم على الشاطئ احتياطات كبيرة كي لا يتم إزعاجهم لأتفه سبب، كعدم إبداء الانزعاج من الشبيحة المرافقين لهم، او الأصوات العالية والتصرفات المستفزة التي يقومون بها، وإلا ستكون النتيجة كارثية على المرتادين جميعاً، أما محدودي الدخل الذي يتقلص وجودهم رويداً رويداً، فلا متنفس أمامهم إلا شواطئ شعبية لها حكايتها في الفوضى هي الأخرى.
منحدر خطر
تشهد الشواطئ الشعبية التي تعمل حكومة النظام على طرحها للاستثمار في كل عام تعثراً كبيراً في الاستمرار، نظراً لاحتكارها من قبل فئة معينة تدفع أتاوات للأمن لجعل هذه الأماكن مرتعاً لبيع الحبوب المخدرة، والترويج للحشيش وتسهيل الدعارة بطريقة تستفز المرتادين الذين ينتمون لشريحة لها خلفية محافظة بعض الشيء.
اغلاق عدد كبير من الشواطئ الشعبية لدواع أمنية، أو لعزوف المستثمرين عن المباشرة في العمل، جعل الخيارات محدودة أمام هذه الفئة التي كانت تتخذ من الموقع المفتوح قرب الشاطئ الازرق ملاذاً لها، لكن اقامة منتجع الغولدن بيتش في هذا المكان والذي تقول عنه مديرية سياحة المدنية إنه مخصص لهذه الشريحة، والمشاكل الحاصلة بين الوزارة وسكان حي دمسرخو القريب منه بسبب ملكية الأرض وعدم تعويض السكان، جعل افتتاحه ضرباً من الخيال، على اعتبار أن السكان المعترضين جميعهم مسلحون ويملكون صلاتاً أمنية تجعل السياحة عاجزة عن تقديم حل يسرع في افتتاح المنتجع الجاهز للاقلاع.
ترفض لينا اصطحاب أطفالها للسباحة في شاطئ نقابة المعلمين ، المتنفس الوحيد الباقي للسكان لرؤية البحر بأقل الأثمان، تعتبر لينا أن تعريض أطفالها لمثل هذه التجربة لا يتطلب التضحية بأمانهم ووضعهم في دائرة خطر الاختطاف الشائع هذه الأيام وتقول “لقد انتابنا الرعب من حوادث اختطاف وقتل كثيرة سمعنا بها مؤخراً استهدفت الأطفال بشكل خاص، النظام يحاول جاهداً اشاعة جو من الأمان باعلان القبض على عصابة هنا ومجموعة هناك، لكن الخطر ما زال محدقاً في ظل الانفلات الأمني الذي ينشط بفعله الخاطفون في هذه الأماكن، الأمر يشبه وضع أطفالك في قيادة سيارة قديمة والسير في منحدر خطر، ومن جهتي لست مضطرة لخوض مغامرة كهذه لا تستحق العناء”.
اتجاه اجباري
السفر شمالاً باتجاه كسب وصلنفة يعتبر اتجاهاً اجبارياً لعدد كبير من الزائرين، الوضع هناك ليس أفضل حالاً، المصيفان السوريان الشهيران شهدا أحداثا أمنية أزاحتهما عن الخارطة السياحية رغم جهد النظام تنشيطهما من جديد، فمصيف كسب الذي عاد لسيطرة النظام منذ عدة سنوات أبى سكانه الأرمن العودة اليه، فأغلقوا مطاعمهم ومنازلهم وهجروه إلى الأبد خوفاً من هجوم آخر، أما سكانه من أبناء المدينة فقد صدموا من هول السرقات التي تعرضت لها منازلهم من قبل شبيحة الدفاع الوطني، مما جعل العودة إلى منازل خاوية أمراً مستحيلاً بالنسبة لهم.
أما زائرو مصيف صلنفة سيستمتعون بكثرة حواجز الدفاع الوطني المنتشرة فيها، والتي سرق عناصرها كثيراً من المنازل هناك ، كما سيسمعون بوضوح أصوات المعارك الجارية بين النظام والفصائل في أبعد نقطة من الريف، أحد مدراء الدوائر في مديرية سياحة اللاذقية اكد ” عزم وزارة السياحة على اقامة مهرجانين كبيرين في كسب وصلنفة، لاعادتهما للواجهة من جديد” وتابع قائلاً ” تركت الوزارة الموضوع للجانب الأهلي من جمعيات ومبادرات لاحياء هاتين المنطقتين سياحياً بالاعتماد على السائح السوري، لكن الخوف وعدم اشاعة جو من الأمان وكثرة الأقاويل أثر سلباً على هذه المحاولات، ليس لدينا خطة واضحة لعودة السكان الأصليين، لكننا سنضع ثقلنا في هذا الموسم متمنين أن تعود المطاعم والمحال المشهورة للعمل لأن وجودها أساس للانطلاق من جديد”.
طريق مقطوع
في المقابل، ينتظر كثير من البسطاء بدء هذا الموسم السياحي، عسى أن يكون فرصة لهم لتحصيل بعض الأموال التي تعيل أسرهم في معارك بقائهم اليومية، أصحاب تنانير الخبز والفطائر على الطرقات الرئيسية، الباعة الجوالون في الشواطئ الشعبية، العاملون في المطاعم الصغيرة وغيرهم ممن قرر السير في هذا الطريق رغم قراءتهم لافتة في بدايته تؤكد لهم انه ” نهايته مقطوعة”.