بين الطموح والواقعية …تحديات الاستثمار شمال سوريا
في ظل التحديات العديدة التي تعيشها مناطق شمال سوريا يبرز تشجيع الاستثمار في هذه المنطقة كموضوع حيوي يتطلب توازنًا دقيقًا بين الطموح والواقعية مناطق شمال سوريا تحتل موقعاً استراتيجيًا يجعلها محورًا جذابًا للاستثمارات حيث تقع هذه المناطق على تقاطع طرق تجارية رئيسية منها (طريق الحرير – طرق تجارية إلى تركيا حيث تتقاطع مع الحدود التركية، هذا يعزز أفق التجارة الحدودية بين البلدين – بالإضافة الى وجود شبكة من الطرق والمعابر تربط بين المدن والمناطق الآخرى في سورية) يضاف الى ذلك ضخامة الاحتياجات الإنسانية التي تواجه السكان في هذه المنطقة.
عجز الأمان :
على الرغم من وجود فرص استثمارية واعدة في شمال سوريا، إلا أن تحديات كبيرة تعترض سبيل الاستثمار، حيث يتصدر العامل الأمني بشكل بارز قائمة هذه التحديات: يُعَدُّ فهم الوضع الأمني غير المستقر عاملاً رئيسيًا يعكس حجم تعقيد تداعيات النزاع والتوترات بين الفصائل المحلية، نتيجة لصفحات الخلاف المفتوحة المتعلقة بتوزيع الثروة والسيطرة على الموارد الحيوية تلك الصفحات تصل في بعض الأحيان إلى اشتباكات دامية بين هذه الفصائل.
تتجلى حالة العجز الأمني في حالات القصف المتكرر من قِبل حكومة دمشق أو تصاعد التوترات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فـ على سبيل المثال وجود الموارد الأولية وموارد الطاقة، مثل النفط والمحروقات، في شرق سوريا من المحتمل أن تؤدي أي توترات وصدامات بين فصائل الجيش الوطني وقسد إلى تعطيل توريد المحروقات، مما يؤثر على استقرار مصدر التوريدات ويُلحق أثرًا كبيرًا بالبيئة الاستثمارية بل وقد يتسبب ذلك في تهديد الاستمرارية الاقتصادية للمنطقة، مما ينعكس بشكل سلبي على بيئة الاستثمار و يقلل عدد المستثمرين وعلى اقامتهم لمشاريع استثمارية ذات عمر طويل تحتاجها المنطقة .
سيطرة اقتصاد الحرب :
يتجلى التحدي الكبير في شمال سوريا بوجود عائق اقتصادي هام يتمثل في عدم وجود مؤسسات اقتصادية تصدر تشريعات لتنظيم الاقتصاد و يقتصر الامر على بعض الاوامر التي يشار الها بالقوانين وهذا يعتبر تشوه بالهيكل الاقتصادي وذلك جراء النزاع العسكري والسياسي المتعدد الجهات على المنطقة اضافة الى الأزمات الطبيعية خاصة في مرحلة ما بعد الزلازل، حيث تدار المنطقة وعموم سورية عبر ما يعرف باقتصاد الحرب ، فمع، تشوه الهيكل الاقتصادي فان المستثمرين ومن باب الحفاظ على اموالهم وتحقيق عوائد ستكون تفضيلاتهم نحو قطاعات تتميز بسهولة التسييل و العائدية الكبيرة دون التفات لحاجات المنطقة وهذا سوف يقود إلى تذبذب الانتاجية و فرص العمل و عدم تطوير مهارات الايدي العاملة وسوف تكون البطالة المقنعة هي صفة المنطقة . يرافق كل هذه المشاكل أن سوريا من قبل الحرب هي غير محط جذب للاستثمارات بسبب العديد من الصعوبات فكيف في الوقت الحالي ، أن تدهور الوضع الاقتصادي في المنطقة نتيجة للحرب يجعل المستثمرين يواجهون تحديات في العثور على فرص مستدامة ومربحة ويمكن تلخيص أهم المعوقات الاقتصادية للاستثمار في شمال سوريا في التالي:
• عدم وجود بنيات وخدمات مصرفية:
غياب الخدمات المصرفية يعني تفاقم التحديات المالية للأفراد والمستثمرين والشركات مما يزيد من تعقيد العمليات المالية وتقليل فرص الاستثمار الفعّال. فعندما يفتقر المستثمرون ورجال الأعمال إلى وسائل مصرفية فعّالة، يواجهون صعوبة في إدارة الأموال المالية اليومية وتنفيذ الصفقات والمعاملات التجارية، بالإضافة أن غياب الخدمات المصرفية هي علامة على قلة الأمان شمال سوريا
ويرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن أكبر عائق أمام دخول البنوك أو إقامة فروعها في منطقة شمال سوريا هو افتقار المنطقة لشرعية قانونية ودولية تسمح بدخول البنوك الى المنطقة دون ان يترتب عليها قضايا قانونية من حكومة دمشق التي تستأثر بالاعتراف الدولي !…, كما ان الحكومة الموقتة حتى لم تحاول نقاش الامر مع الحكومة التركية لاستقطاب بعض من بنوك التركية لافتتاح مكاتب لها رغم ان وجود بنية مصرفية يعتبر من العوامل الاساسية في جذب الاستثمارات ودعم توطينها .
• ضعف البنية التحتية ونقص موارد الطاقة شمال سوريا:
نطاق مناطق شمال السوري تتسم بخصوبتها كمناطق زراعية ومع ذلك تواجه تحديات كبيرة نتيجة لشح الموارد الأساسية مثل موارد الطاقة والمياه والكهرباء وضعف البنية التحتية بعبارة آخرى هي منطقة معبأة بالتحديات التي تواجه المشاريع الصناعية.
– بالنسبة لموارد الطاقة من المشتقات النفطية : تحكم هيئة تحرير الشام و قسد في موارد الطاقة المشتقة من النفط هذا التحكم الحصري أو التقييد في هذه المصادر سينعكس تأثيره على الأعمال والاستثمارات شمال سوريا.
– ارتفاع أسعار الكهرباء : تحكم شركات القطاع الخاص في أسعار الكهرباء إذ تشهد ارتفاعًا غير منظم وغير مضبوط بشكل مستمر بالإضافة إلى الانقطاعات مستمرة ، وهذا الأمر سيلقي بظلاله على القطاع الاستثماري شمال سوريا من خلال أما تتسبب بارتفاع تكاليف المنتج وتجعله غير قادر على المنافسة في الداخل أو الخارج في حال تصديره أو تعطيل عملية الإنتاج.
– ضعف شبكات النقل : تعتبر معظم الطرق شمال سوريا هي طرق زراعية معبدة لأجل وسائل نقل بسيطة مثل (السيارات الصغيرة – الجرارات الزراعية) بمعنى انها غير مهيأة لسيارات الشحن الكبيرة هذا عدا التدمير الذي لحقها نتيجة الحرب وهذا الامر له تأثير كبير على القطاع الصناعي والبيئة الاستثمارية.
– أزمة شح المياه الجوفية: يعاني السكان شمال سوريا من أزمة حادة في إمدادات المياه نتيجة جفاف آبار المنطقة وصعوبات تأمين المياه وارتفاع تكاليف نقلها على سبيل المثال مدينة الباب منذ استيلاء النظام السوري عام 2016 على مواقع ومحطات ضخ المياه “عين البيضا” و”الخفسة” تعاني من أزمة في المياه.
• انخفاض القدرة الشرائية والرواتب و الأجور:
انخفاض القدرة الشرائية جنباً إلى جنب مع تراجع الأجور والرواتب للعاملين في مناطق شمال سوريا، يشكل تحديًا كبيرًا في جذب الاستثمارات لأن الاستثمارات عادةً تتجه إلى الأسواق القوية اما أسواق شمال سوريا تعتبر أسواق ضعيفة تعاني تقلصًا نتيجة ضعف الطلب حيث يعاني السكان من صعوبات في تلبية احتياجاتهم الأساسية وبالتالي الاستثمارات الجديدة ستواجه فرص نمو ربحية ضعيفة ومحدودة بمعنى غير جاذبة بشكل كافٍ للمستثمرين.
• صغر سوق الصادرات وما يرافقه من صعوبات التصدير:
صعوبة تصدير فائض الإنتاج في شمال سوريا تعتبر تحديًا اقتصاديًا إلى هذا الوقت شبكات النقل الدولية غير فعالة، مما يزيد من تكاليف وصعوبات عملية نقل السلع إلى الأسواق الدولية على أقلها تركيا قد تعترض عقبات تجارية وجمركية عملية التصدير، سواء كانت نتيجة للقوانين والتشريعات الدولية أو لضغوط سياسية تؤثر على إمكانية دخول السلع إلى بعض الأسواق.
• حرب العملات وتذبذب سعر الصرف:
في الوقت الحالي، تشهد مناطق شمال سوريا استخدام عملات مختلفة (الليرة التركية- الدولار- اليورو)، حيث يتم استخدام الليرة التركية كعملة رئيسية. يُعَدُّ تراجع قيمة الليرة التركية والتقلبات المستمرة في سعر الصرف، بما في ذلك انخفاضها المستمر مقابل الدولار، عاملًا رئيسيًا يؤثر سلبًا على بيئة الاستثمار وانخفاض قيمة العملة يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل وصعوبة تقدير التكلفة الحقيقية للمشاريع و تقليل القوة الشرائية مما يضع ضغطًا إضافيًا على المشاريع الاستثمارية واستدامتها شمال سوريا.
• غياب دليل استثماري ومصممي للسياسات الاستثمارية شمال سوريا:
أن غياب دليل استثماري يحتوي على ملخص لأهم المناطق الصناعية الموجودة شمال سوريا وأهم الصناعات وانواعها وأساليب التصدير وطرق تأمين الموارد الأولية هو تحدي يواجه المستثمرين في فهم واستكشاف الفرص الاستثمارية المتاحة في المنطقة وبالتالي سيجد المستثمر نفسه بحاجة إلى إجراء دراسات جدوى ميدانية مرهقة مما يعتبر عبئًا إضافيًا نظرًا لبعده الجغرافي عن سوريا وعدم معرفته الكافية بالموارد المتاحة والمشروعات الواجب تنفيذها بالإضافة تعيب المنطقة عدم وجود مصممين لسياسات استثمارية حقيقيين يعملون على تصميم نموذج استثماري واقعي وموضوعي ملائم بعيداً عن استيراد قوالب ونماذج جاهزة ولأجل جعل بيئة الأعمال في شمال سوريا أكثر جاذبية للمستثمرين، يجب تعزيز وجود سياسات استثمارية تعمل على تحليل وتحديد مؤشرات الوضع الفعلي وتصميم نماذج استثمارية ملائمة، تسهم في خلق بيئة استثمارية مشجعة وواقعية.
• غياب الهوية التنظيمية الموحدة عند المجالس المحلية والحكومة المؤقتة:
تشتت السلطة الإدارية شمال سوريا يظهر في عدم وجود نافذة واحدة وقانون واحد للتعامل مع الشؤون المحلية فكيف بما يتعلق بإنشاء مشاريع استثمارية وصناعية و يعود هذا التشتت نتيجة فشل المجالس المحلية في تبني نموذج اللامركزية الإدارية بآلياتها الموضوعية الدقيقة، مما أدى إلى تشتت الإجراءات ابتداءً من استخراج التراخيص وصولاً إلى غياب قوانين الأعمال، و عدم وجود نافذة واحدة للتعامل والتشريع وضبابية بعض القوانين والإجراءات الإدارية يجعل فهم القوانين التنظيمية مشوش معالجة هذه النقطة يعني جعل القوانين مقوننة بمعايير شفافة يعني ضمان فعاليتها خاصةً فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالأعمال والتجارة والتراخيص يعني تهيئتها لتكون مصدر مرجعي يضبط مسائل الضرائب والرسوم والجمارك…
في النهاية جرِّ المستثمرين إلى المؤتمرات والندوات لن يشجعهم في الدخول الى شمال سوريا إذا لم يتعين على القائمين والفاعلين أن يكونوا على دراية دقيقة في فهم التحديات وطرق معالجتها والفرص المتاحة بالمنطقة وإيصالها بطرق وآليات فعّالة للمستثمرين هذه الجهود المشتركة ستعزز الثقة بين المستثمرين والسلطات المحلية وتشجيعهم على الاستثمار.
بقلم: حسن المروان حراج