كيف مهدت إيران الطريق لميليشياتها لاختراق المجتمعات المحلية شرقي سوريا؟
كيف مهدت إيران الطريق لميليشياتها لاختراق المجتمعات المحلية شرقي سوريا؟
وكالة ثقة – ترجمة
خلال شهر شباط وأوائل آذار 2022، أدخلت ميليشيات الحرس الثوري الإيراني المتواجدة في محافظة الحسكة السورية عدة شحنات من الأسلحة والمعدات العسكرية في محاولة لتعزيز تواجدها العسكري والأمني في المحافظة، والتي تعتبر الأغنى في سوريا من حيث الثروة النفطية والزراعية.
وصرح أحد موظفي مطار القامشلي في الحسكة لصحيفة “ميدل إيست”، بأن “ثلاث شحنات إيرانية وصلت إلى المطار خلال شهري شباط وآذار”، وتم تحميل اثنتين منهما بأسلحة وذخائر مختلفة، فيما كانت الشحنة الثالثة عبارة عن معدات لوجستية ونحو 50 طائرة صغيرة بدون طيار لاستخدامها في التدريب على جمع صور ومعلومات التجسس.
وأضاف أن “جميع شحنات السلاح نقلتها طائرات اليوشن القادمة من محافظة دير الزور وتم نقلها من المطار إلى فوج طرطب الخاضع لسيطرة مليشيات الحرس الثوري الإيراني إلى جانب قوات الفرقة الرابعة من جيش النظام.
وأكّدت الصحيفة وفقاً لما ترجمته وكالة ثقة، أنه ومنذ أوائل عام 2022، تعمل المليشيات الإيرانية في محافظة الحسكة على زيادة قدراتها العسكرية واللوجستية، وأن الأحداث الأخيرة مهدت الطريق أمام تلك الميليشيات لاختراق المجتمعات المحلية، مستغلة تراجع الدور الروسي في المنطقة والخلاف بين القبائل العربية من جهة والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
بداية الوجود الإيراني في الحسكة
يعود الوجود الإيراني في الحسكة إلى بداية عام 2013، بدأ كل شيء بوصول قادة ميدانيين من حزب الله اللبناني، وكان هؤلاء القادة مسؤولين عن تدريب قوات النظام ومليشيات قوات الدفاع الوطني على حرب العصابات، بالإضافة إلى تولي أمن مطار القامشلي، الذي كان وسيلة النقل الوحيدة المتاحة التي تربط المحافظة بدمشق، وبعد حزب الله، وصل قادة عسكريون من الحرس الثوري الإيراني في عام 2014، حافظوا على وجودهم في المحافظة وداخل مطار القامشلي حتى عام 2015 ، عندما انسحب حزب الله من الحسكة إلى دير الزور، هناك تعرض النظام لهجمات مكثفة من قبل تنظيم “داعش” الذي سيطر على جميع المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل الجيش السوري الحر.
في 2018، بعد أن طردت قوات سوريا الديمقراطية “داعش” من ريف الحسكة، ومع زحف المعارك باتجاه دير الزور، أرسلت إيران بعض ضباط الحرس الثوري الإيراني إلى الحسكة، تحت راية “مهام استشارية”، وتمركز هؤلاء الضباط داخل مطار القامشلي، حيث ظلوا على تواجدهم حتى خريف 2019.
وانتهى الوجود الإيراني في مطار القامشلي بعد عملية “نبع السلام” التركية داخل سوريا، والتي انتهت بتفاهمات روسية تركية بشروط محددة، من بينها تواجد القوات الروسية في مطار القامشلي.
ونتيجة لذلك، انتهت السيطرة الإيرانية على المطار، علاوة على ذلك، قدمت روسيا الدعم للأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري في الحسكة، وخاصة المخابرات الجوية، لتضييق الخناق على الوجود الإيراني في المحافظة.
أجبر الاتفاق الروسي التركي ودعم روسيا لأجهزة النظام الأمنية، الإيرانيين على الانسحاب والتمركز في فوج طرطب الذي كان تحت سيطرة الفرقة الرابعة، لكن خلال العام الماضي ومطلع هذا العام، نجح الإيرانيون في تجديد جهودهم التوسعية والسيطرة على عدة نقاط حيوية داخل الحسكة – سواء بشكل مباشر، من خلال وجودها العسكري ، أو بشكل غير مباشر، من خلال الميليشيات المحلية المدعومة الآن من إيران، مكونة من مكونات قبلية من المحافظة.
الوجود الإيراني الحالي
ينتشر الوجود العسكري الإيراني في محافظة الحسكة في أربعة مواقع رئيسية، تتركز جميعها في جنوب شرق المحافظة.
– أولاً: هناك فوج الطرطب، المعروف أيضا بالفوج 54، ويقع في الجزء الجنوبي الشرقي من القامشلي، وتضم قوات من جيش النظام وأخرى تابعة للمليشيات الإيرانية، وتعتبر أكبر قاعدة عسكرية في المحافظة.
وبدأت إيران مؤخرا مشروع توسعة داخل الفوج، لبناء وحدات سكنية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من عناصرها والميليشيات التابعة لها.
وكلفت إيران المؤسسة السورية للإنشاءات العسكرية بمهمة تنفيذ خطط التوسع، ويعتبر هذا التوسع هو الأول من نوعه داخل الفوج.
– ثانياً: هناك مركز الثروة الحيوانية الذي استخدمته المليشيات الإيرانية مقرا لها ومستودعا للأسلحة، ويقع المركز بين فوج الطرطب ومطار القامشلي، بالإضافة إلى مبنى الحبوب بالقرب من مركز الثروة الحيوانية.
– ثالثاً: فرع الأمن العسكري في مدينة الحسكة الخاضعة للسيطرة الإيرانية، حيث تعتبر المحطة الوحيدة التي تسيطر عليها إيران داخل وسط المدينة، إذ يقع فرع الأمن العسكري في ما يسمى بـ “الساحة الأمنية” وسط المدينة التي يسيطر عليها النظام السوري.
ويقع المركز الرابع والأخير للوجود الإيراني في المحافظة داخل مكتب النقل على طريق M4، على الجانب الجنوبي من القامشلي، ويعتبر هذا الموقع المركز العصبي للنشاط الإيراني في الحسكة، حيث ينشط من هناك عدة قادة للمليشيات الإيرانية واللبنانية.
وفي عام 2021، خسرت إيران أهم مركز لها في القامشلي، بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على حي الطي.
قبل ذلك، تمكنت إيران من شراء ولاء ميليشيات الدفاع الوطني التي كانت تسيطر على المنطقة ذات الأغلبية العربية، مما جعل قوات الدفاع الوطني أحد أهم حلفاء إيران في المنطقة.
أكثر من 1000 عنصر
خلال العامين الماضيين عمل الحاج علي “الإيراني” والحاج مهدي “اللبناني” على بناء جسور مع قيادات ألوية الدفاع الوطني وإطلاق معسكرات تدريب لتلك الألوية في الفوج 54 وتزويدها بالمعدات اللازمة (أسلحة خفيفة ومتوسطة مثل رشاشات عيار 14.5 ملم ومدافع آلية عيار 23 ملم)، علاوة على ذلك، تم تدريب بعض عناصر النخبة من المنطقة في معسكرات إيرانية، حيث يشرف عليهم قادة من حزب الله في دير الزور أو في منطقة ديماس بدمشق.
وعند عودتهم، أظهر هؤلاء العناصر تغييراً واضحاً في سلوكهم وملابسهم، وارتدوا شارة الشيعة على زيهم العسكري وحتى الانخراط في العادة الشيعية المتمثلة في صفع صدورهم، وبدؤوا ينقسمون بين ميليشيات حزب الله وميليشيات زينبيون وفاطميون المنتشرة في المحافظة.
ويقدر العدد الرسمي للمنتسبين بحوالي 250، أما بالنسبة للعناصر الذين تم تدريبهم في معسكرات القامشلي ثم عادوا إلى صفوف قوات الدفاع الوطني لكنهم لا يزالون موالين لإيران، فقد تجاوز عددهم 900.