“معارك دير الزور بين صراع الحدود والثروات”
بينما كان لهيب المعارك مشتعلاً في حي جوبر أحد أحياء العاصمة دمشق، وبينما كانت الفرقة الرابعة أبرز تشكيلات جيش النظام وتشكيلات أخرى تخوض حرب استنزاف في هذا الحي وتضع كامل ثقلها لمحاولة السيطرة عليه بعد خمس سنوات من فشلها في التقدم داخله، كانتا روسيا وإيران ترسمان سيناريو معركة مغايرة لم تكن ضمن أولويات النظام السوري الذي فضل استكمال العمليات العسكرية في محيط العاصمة، لتأمينها ولربما الإكتفاء بعدها بهذه الإنجازات التي حققها بدعم حلفائه ضمن مايسميه “مصطلحاً بسوريا المفيدة” .
على الحدود السورية العراقية وفي عمق البادية السورية، كانت إيران تستشعر خطر خسارتها لأهم هدف استراتيجي قاتلت من أجله لسنوات إلى جانب نظام الأسد، (الخط البري الذي يربطها بالبحر المتوسط عبر البادية السورية ) في لحظات مفاجئة بدأ تنظيم داعش يتقهقر بسرعة، وأخذت فصائل الجيش الحر تتمدد للمرة الأولى خارج قاعدة التنف وفي عمق البادية والقلمون الشرقي بعد سنوات من الكر والفر بينها وبين التنظيم في تلك المنطقة،
مع إعلان قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا بدء تحضيراتها لخوض معركة دير الزور للسيطرة عليها، شاركت روسيا حليفها الإيراني مخاوفه وجمعتهما المصلحة المشتركة في التوجه مباشرة إلى الشرق، إيران التي تريد طريقاً برياً من العراق عبر بادية دير الزور، وروسيا التي تريد مورداً اقتصادياً يحمل عنها أعباء إعادة الإعمار، التي تلوح بها الدول الغربية كعامل ضغط على روسيا لإجبارها على القبول بطرح غربي خارج الحلول التي تريد أن تفرضها روسيا .
أُوقفت معركة جوبر بشكل مفاجئ وأعلن عن اتفاق هدنة وقعته جميع الأطراف في العاصمة المصرية، انتقلت العمليات العسكرية إلى البادية بمشاركة إيرانية واسعة ودعم روسي كبير، زج النظام السوري معظم قواته في هذه المعركة، تقدمت تلك القوات بشكل سريع واصطدمت مع فصائل الجيش الحر في البادية واستطاعت التغلب عليها في بعض المواقع وفتح جيب صغير إلى الحدود العراقية ووصلت القوات المهاجمة إلى مشارف مدينة دير الزور، بينما كانت “قوات سوريا الديمقراطية” تخوض معركة الرقة التي دخلت شهرها الثالث، كان الجميع يتوقع أن لاتُعلن “قسد” انطلاق معركتها على دير الزور قبل حسم معركة الرقة، لكن تقدم قوات النظام وحلفائه السريع باتجاه المدينة أجبر الولايات المتحدة على إعلان دخول قسد المعركة في ظروف استثنائية، لأن معظم مقاتلي قسد وعتادها متواجد في الرقة .
تقدمت قوات النظام ومن معه في عمق البادية بشكل سريع فاق التوقعات، استطاعت فك الحصار المفروض على قواتها منذ خمس سنوات في مطار المدينة وبعض أحيائها ووصلت إلى الضفة الغربية لنهر الفرات، في المقابل تقدمت قسد بشكل سريع وسيطرت على المنطقة الصناعية، متجاوزة مسافة عشرين كيلو متر في العمق لتصل أيضاً إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات .
بدأ الصراع يأخذ شكلاً آخر فالقوتان وجهاً لوجه في صراع وتنافس حقيقي نزع لباس الود والملاطفة بين الطرفين طيلة السنوات السابقة .
إيران تريد العبور إلى الضفة الشرقية للوصول إلى الحدود العراقية، وروسيا أيضا التي بات النهر هو الفاصل الوحيد أمام وصولها لآبار النفط التي لم تعد تبعد عنها سوى كيلو مترات قليلة، الولايات المتحدة وعبر حليفها قسد تريد عكس مايريده الطرف الآخر، اشتباك بين الطرفين أثناء محاولة قوات النظام عبور النهر يوقع قتلى لأول مرة، قصف جوي روسي على مواقع قسد في سابقة هي الأولى من نوعها أسقط أيضاً عدداً من القتلى، وسط تصريحات وبيانات واتهامات إعلامية متبادلة بين قوات التحالف وروسيا، حذرت وزارة الدفاع الروسية قوات التحالف من الوقوف في طريقها، عملية إنزال أمريكية مفاجئة في حقل “كونيكو” أكبر حقول الغاز الطبيعيوإعلان السيطرة عليه بشكل سريع، ومحاولات جادة وسريعة أيضاً للوصول إلى حقل “العمر” أكبر حقول النفط في المدينة، فيما لاتزال قوات النظام وحلفاؤه تحاول عبور الضفة الأخرى والتقدم أكثر للوصل إلى مبتغاها، وسط خسارات كبيرة كبدهم إياها تنظيم داعش الذي استخدم العربات المفخخة والعمليات الإنغماسية بشكل كبير.
المعارك تحتدم في المدينة والخاسر الأكبر هم المدنييون الأبرياء لغة المصالح أطاحت بالإنسانية، بات المدني في المدينة عرضة للقتل في كل لحظة، غير قادر على النزوح إلى مكان بعيد، وغير قادر أيضاً على أن يجد لنفسه مكاناً آمن بعيداً عن القصف الذي لايهدأ، قتل الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ، ضاعت هوية القاتل فالسماء تزدحم بالطائرات والأرض يشعلها لهيب المدافع ،
تحولت المعارك في دير الزور إلى صراع أكبر من صراع الجغرافيا المتنازع عليها، بوادر حرب باردة بين روسيا والولايات المتحدة باتت تظهر خلف غبار تلك المعارك، فصائل الجيش الحر من أبناء المدينة كانت قد استبعدتهم الولايات المتحدة من المشاركة في المعركة بسبب رفضهم القتال إلى جانب “قسد” أعلنوا بالأمس في بيان لهم تشكيل جسم عسكري واحد هدفه تحرير المدينة، في خطوة يراها البعض متأخرة فالمعارك في المدينة على أشدها، بينما يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في تلك المنطقة فمن المحتمل أن تسمح الولايات المتحدة لفصائل الجيش الحر بالمشاركة في معارك المدينة تحت إشرافها لتسريع عملية السيطرة على أكبر مساحة منها وقطع الطريق على المخطط الإيراني والروسي، في حال سمحت الولايات المتحدة لتلك الفصائل بدخول المعركة فمن المحتمل أن تبدأ الفصائل معركتها انطلاقاً من مدينة البوكمال الحدودية مع العراق والإتجاه شمالاًعلى طول الحدود وبذلك ستستطيع الولايات المتحدة حرمان إيران من الوصول إلى الحدود العراقية وفتح الطريق الذي تراه أهم استراتيجية في حربها، وكذلك حرمان روسيا من السيطرة على آبار النفط الغزيرة وتحميلها أعباءً ثقيلة في البحث عن مصدر اقتصادي يساعد في إعادة الإعمار، وإلا ستظهر روسيا في موقف لاتُحسد عليه وقد تركت خلفها دولة فاشلة وبلداً منهك، كانت سبباً رئيسياً في خرابه، أو أنها ستجلس على طاولة المفاوضات للمساومة على الكثير من مصالحها .
الكاتب :ماجد عبد النور-وكالة ثقة