تجميد اتحاد الطلبة.. نهاية صفحة سوداء من الانتهاكات داخل الجامعات السوريةإستونيا تنهي حماية اللاجئين السوريينمارون الخولي: العودة الإلزامية للنازحين السوريين ضرورة فوريةحظر تجوال في حمص وسط تصعيد أمني واشتباكات مع فلول الأسداشتباكات مسلحة في طرطوس.. ما القصة؟الاقتصاد على سكك الشرق.. هل يعيد القطار ربط أسواق حلب بميناء مرسين؟“منسقو استجابة سوريا”: رفع العقوبات ضرورة إنسانية لدعم التعافي في البلادتصاعد التوتر بين سوريا وإيران.. تحذيرات متبادلة وتصريحات مثيرة للجدللبنان يتلقى مذكرة دولية لتوقيف اللواء المجرم جميل حسنإيران: ليس لدينا اتصال مباشر مع الجهة الحاكمة في سوريا حالياأسماء الأسد تطلب الطلاق تمهيداً للعودة إلى لندن بعد سقوط النظامتركيا تُرمم خط الكهرباء بين بيريجيك وحلب لتوفير الطاقة للسوريينأحمد الشرع: تحرير سوريا أنقذ المنطقة من حرب عالمية ثالثةمدير الجمارك في سوريا يكشف عن خطط إصلاح شاملة لإنهاء الفساد والترهل الإداريهاكان فيدان يكشف عن رؤيته الجديدة للعلاقات مع سوريا

هذا ما يحصل في مدينة اللاذقية

السابعة مساء بتوقيت دمشق، أكثر من نصف ساعة تفصل الصائمين في مدينة اللاذقية عن موعد إفطارهم، أضواء تزين شرفات المنازل، اختناق مروري قبل موعد الإفطار، جيران يتبادلون “السكبات” الرمضانية، وآخرون يصطفون أمام محال الحلويات لشراء مالذ وطاب لوقت السحور، هذا ما يظن المبعدون عن اللاذقية قسرا أنه يحصل في مدينتهم في هذا التوقيت، لكنهم لا يدرون أنها استبدلت طابعها الحيوي في رمضان بآخر يتصدر اللهاث فيه المشهد اليومي لتأمين احتياجات بات توفيرها مهمة شبه مستحيلة.

نوركم كافي

أولى التحديات التي تشهدها المدينة في رمضان تجلت بانقطاع التيار الكهربائي، زينة الشرفات باتت إضافة لا معنى لها منذ السنة الأولى للثورة نظرا لتضامن عدد كبير من سكان وسط المدينة معها، فكان معيبا بالنسبة لهم إضاءة شرفاتهم فيما باقي السوريين يقتلون ويموتون، عادة طارئة حافظت على وجودها في رمضان من كل عام، بل وفرضت نفسها مع التقنين الكهربائي الجائر الذي تشهده مدينة لا ترى النور إلا ثماني ساعات يومياً خارج أوقات الذروة السنوية، ليزداد المعدل تدريجيا في عمق الشتاء والصيف.

هذا الموسم الرمضاني شهد تغيرا مفاجئا، حيث قررت شركة الكهرباء منح الشعب ساعة إضافية في كل فترة ليصبح النظام 3×3، في خطوة جعلت الناس تتنفس الصعداء رغم أن التقنين يشمل فترة السابعة مساء في كثير من المناطق، لكن مجرد الوصول إلى هذا النظام بالنسبة لهم يعد إنجازا كبيرا في مدينة اعتادت غياب التيار الكهربائي لفترة طويلة، مع وجود أعطال تشمل أيضا فترة التغذية، وفي حال الشكوى لدى الشركة يأتي الرد كالتالي “ليس من الضروري توفر الكهرباء دائما.. فنور الشعب كافٍ”.

روح غائبة

عند مرورك في السابعة مساء ضمن حي الصليبة القديم الذي اعتاد تخصيص رمضان بأجواء احتفالية متميزة، وكان معقلا للمظاهرات المناهضة للنظام في سنوات الثورة الأولى، ستلاحظ محاولة سكانه استرجاع بعض التقاليد التي غابت عنه لسنوات عديدة، اجتهادهم في مد شريط للإضاءة هنا، ونشر باعة جوالين للترويج لمأكولات رمضان الشعبية هناك، لم يمح معالم المشهد الحزين للمكان ،صدّيق ابن الحي العتيق قال إن “غياب الكثير من شباب المنطقة سواء بالاعتقال أو السفر خارج البلاد أو الاختباء في المنازل هربا من شبح السوق للاحتياط، جعل العودة للأجواء القديمة صعبا بعض الشيء، رغم اجتهاد السكان لاستحضار الطقوس القديمة”.

لا تنفي رويدة (33 عاما) أهمية هذه المحاولات لنشر الفرح هنا وهناك، فالجيل الجديد لا ذنب له ليكون بعيدا عما عاشه الكبار من طقوس محببة على حد تعبيرها، ” لقد غيب النظام كثيرا من العادات التي أحببناها في رمضان وأولها صوت مدفع الإفطار والعيد وطبل المسحراتي وذلك لدواع أمنية” وتنوه رويدة إلى ندرة تبادل السكبات مع جيرانها في رمضان، فالخير أصبح شحيحا، ولم تعد لدى الكثيرين القدرة على مزاولة هذه العادة، “لا يوجد بيت إلا وفيه غائب أو مسافر، نحن نفتقد كل شيء، حتى روح رمضان التي نعرفها تغيب عن المكان مهما فعلنا لخلقها” تضيف رويدة التي تسرع الخطى للوصول إلى بيتها لتحضير مائدتها الرمضانية قبل موعد الأذان.

خبزنا كفاف يومنا

يبذل أبو نوار جهدا كبيرا لتنظيم حركة بيع خبز رمضان الشهير في الفرن الذي يعمل به، السابعة مساء يعتبر وقتا مميزا بالنسبة له لبيع أكبر كمية من الخبز الذي أمضى وقتا في عجنه وفرده وتزيينه ببضع حبات بركة على الوجه، ” ما زال البيع وفيرا” يقول أبو نوار، منوها أن صاحب المحل الذي يعمل لديه رفع الأسعار ليبلغ ثمن القطعة الواحدة 200 ليرة سورية، لكن الناس مواظبة على شرائه بكميات معقولة، “يشتكون أحيانا من ارتفاع الثمن خاصة وأن الاسرة تستهلك وسطيا من أربع لخمس قطع، لكن رفع الأسعار منطقي فكل شيء تضاعف ثمنه من محروقات ومواد أولية، هناك أشخاص عزفوا عن شراءه ويعتبرونه رفاهية لا معنى لها، وآخرون يجدونه ضرورة لملئ معدتهم ليشعروا بالشبع”.

زوايا بيع السوس والخرنوب أيضا ما زالت حاضرة بوفرة في احياء الصليبة والشيخ ضاهر والعوينة وإنطاكيا، هذه المشروبات الشعبية التي حافظت على سعرها المعقول قياسا لمكونات مائدة رمضان الأخرى جعلت توفيرها من قبل الأسرة سهلا نسبيا، العشرات يتقطارون أمامها قبل موعد الإفطار لأخذ أكياس كبيرة منها ليرووا ظمأهم بعد يوم عمل طويل، على النقيض تماما تغيب التمور التي تشهد بورصتها ارتفاعا جنونيا، خاصة مع منع النظام لاستيرادها منذ عدة أشهر لتتوفر في الأسواق أنواع رديئة مهربة بأسعار باهظة.

محمد الموظف في شركة مواد غذائية يرى أن مائدة رمضان التي كانت معروفة سابقا أصبحت من الماضي، فالموظف العادي الذي يبلغ راتبه 40 ألف ليرة سورية وسطيا، لا يمكنه تأمين فطور لائق لافراد أسرته يوميا، نظرا لأن كلفة إطعامهم ليوم واحد تتجاوز 4000 ليرة، وهو مبلغ يجده محمد مرتفعا قياسا لمستوى دخله، “يعتقدون أن ما يشاهدونه من موائد عامرة على شاشة التلفاز والمسلسلات السورية هو الصحيح، نحن نموت بشكل بطيء دون ان يشعر بنا أحد، بات إطعام أطفالنا عبئا علينا نظرا لارتفاع سعر كل شيء، ليس لدينا إلا الدعاء بأن نحصل على خبزنا كفاف يومنا ونسد رمق أطفالنا، هذا ما نكرره عند كل إفطار”

نيالك يا فاعل خير

تهرول فاطمة مسرعة من منزلها الكائن في حي الرمل الجنوبي الذي ما زالت تتوزع الحواجز الأمنية بكثرة في أرجائه دونا عن باقي الأحياء، تتأمل السيدة الثلاثينية أن تحصل على وجبتها الموعودة من إحدى الجمعيات التي توزع وجبات للأسر الفقيرة في رمضان للعام الثالث على التوالي، وهي عادة درجت بقوة في مدنية اللاذقية بعد تدهور الوضع الاقتصادي الكبير لشريحة واسعة من سكانها إبان اندلاع الثورة، لا تعتقد فاطمة أنها ستحصل على ما وعدت به قبل نصف ساعة من الافطار لكن ديالا، إحدى المتطوعات في الجمعية وعدتها أن تمنحها حصة إن بقي شيء مما طبخ لهذا اليوم.

تؤكد ديالا أن الحاجة لإنجاز أكبر عدد من الوجبات المجانية يزداد باضطراد، عدد الفقراء بات رهيبا ويفوق طاقة أي جمعية لتحمله منفردة، غياب المتبرعين واقتصار عطايا التجار على منح مبالغ قليلة يهدد كثيرا من المطابخ الرمضانية التي تحتضنها عدة جمعيات بالتوقف عن العمل وفق ديالا التي تابعت حديثها بالقول: “ننجز قرابة 1500 وجبة يوميا، و يفرض علينا النظام حصة لجنوده ومقاتليه من الميليشيات ليمنحنا موافقته الأمنية مما يخفض الحصص المخصصة للفقراء، لا يمكننا ان نجبر الناس على التبرع رغم وجود الكثير من المتعاطفين معنا، لكن حاجة المطبخ تفوق إمكاناتهم المحدودة أيضا، نضطر أحيانا لتنفيذ جولات على البنوك والمصارف وأصحاب رؤوس الأموال لنستدر عطفهم تجاه الفقراء رافعين شعار” نيالك يا فاعل الخير”، البعض منهم يتجاوب على استحياء، وآخرون يقولون ألا تكفينا ضرائب النظام المفروضة علينا وارتفاع أسعار الدولار، لكن الجميع متفق على الطلب منا ألا نعود مجددا، فهم ليسوا مؤسسة خيرية كما يقولون”.

صراع الجبابرة

تظفر فاطمة بوجبتها الموعودة، لقد ساعدتها ديالا بالحصول عليها بعد الحاحها الشديد، تندفع باتجاه موقف سرافيس الرمل الجنوبي الذي يكتظ بالعمال العائدين من اشغالهم ليتناولوا الإفطار مع أسرهم، تنحشر فاطمة بينهم وتجلس في مقعدها غارقة بأفكارها التي تنخر رأسها عن مصير وجبة يوم غد، غياب زوجها القسري أجبرها على النزول للعمل كمستخدمة في احد النوادي، لكن وقت توزيع الوجبات المجانية في الجمعية يبدأ عند الخامسة، وتحذيرات ديالا بعدم التأخر مجددا يضعها في تحد ستخوضه في يومها التالي الذي سيشهد أيضا صراعات مع الحياة لجبابرة يهرولون مسرعين لمنازلهم عند الساعة السابعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى