هل سيزيد الاتفاق بين السعودية وإيران من فرص دعم وتطبيع العلاقات مع الأسد وما هي أهم فرص المعارضة في الوقت الحالي؟
وكالة ثقة
بقلم الباحث: حسن المروان
عالم السياسة هو عالم متغير ومتقلب ويُعرف عن العلاقات الدولية وحالة التفاعلات بين الدول ان الثابت الوحيد في هذه العلاقات هو التغيير وينطبق هذا الأمر على العلاقة المستجدة بين السعودية وإيران فمنذ أن كانا كلا البلدين يعيش على استنزاف الآخر في صراع محتدم منذ ثورة الخامنئيّ 1979 الى القطيعة التي دامت 7 سنوات في ملفات عديدة أهمها اليمن وسورية والعراق، وغيرها في المنطقة، بدأ مؤخراً النظامين السعودي و الإيراني بفتح صفحة جديدة في إعادة العلاقات الدبلوماسية وهذا ما خلق سيل من التحليلات والتساؤلات حول هذه العلاقة و يعد التساؤل الهام بالنسبة للسوريين هو ما هي انعكاسات هذا الاتفاق على الساحة السورية وهل سيزيد هذا الاتفاق من فرص دعم وتطبيع العلاقات مع الأسد وهل سيصمد هذا الاتفاق وما هي أهم دوافعه وتحدياته الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية
فمن الناحية الاقتصادية تتلخص أهم الدوافع المشتركة لعودة العلاقات بين السعودية وإيران بأربع نقاط رئيسية:
أولاً: كشف اتحاد الغرف السعودية أن حجم التبادل التجاري بلغ من 2017 إلى 2021 (1.2 تريليون ريال) يعني (320 مليار دولار) وأعلنت الجمارك الصينية أن حجم التجارة بين إيران والصين 14 ملياراً و600 مليون دولار وهو ما يعكس متانة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية المشتركة لدى البلدين مع الصين وبالتالي من غير المرجح أن تخاطر السعودية وإيران بتعريض علاقاتهم للخطر من خلال انتهاك هذا الاتفاق.
ثانياً: دور الصين الصاعد والذي قد يكون من المحتمل بديل دولي استراتيجي واقتصادي موثوق بالنسبة للبلدين وتنبع هذه الثقة من كون الصين أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين العضوية وتمتلك حق النقد بالفيتو، ولأن الصين ذات تأثير كبير في القرارات الاقتصادية وفي العديد من المنظمات الاقتصادية الدولية الهامة مثل (البريكس BRICS والبنك الآسيوي للاستثمار) و حيث أوشكت أن تتبوأ المرتبة الأولى اقتصاديًّا بعد أن دخلت في صراع نفوذ اقتصادي مع أمريكا، بالإضافة لكونها تعتبر أهمّ شريك تجاري لإيران ومستورد رئيسي للنفط الإيراني وبالتالي هذا سيعزز تأثيرها على إيران في الالتزام بالاتفاق.
ثالثاً: سعي السعودية في تغيير بنيتها الاقتصادية التي تعتمد على الاقتصاد الريعي (النفط والطاقة) وتحويلها إلى اقتصاد مفتوح متنوع وموازي للاقتصاد الريعي بالإضافة إلى خلق بيئة استثمارات دولية آمنة في السعودية.
رابعاً: ترى المملكة أن حرب اليمن أنهكتها اقتصادياً واستنزفتها وأصبحت تمس أمنها الاقتصادي، ومكانتها الدينية والثقافية في المنطقة.
وأما على صعيد الناحية العسكرية تتلخص أهم دوافع السعودية في عودة العلاقات في نقطتين مهمتين:
أولاً: باتت المملكة مقتنعة بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في صراع عسكري مع إيران وأن التحالف الأمني بين السعودية والولايات المتحدة أصبح موضع شك حيث لم تعد المملكة ترى في الولايات المتحدة مظلة الحماية لمصالحها استناداً لاختلاف أولوية أمريكا اتجاه المنطقة خاصة بعد إعراض الولايات المتحدة عام 2019 الرد على ضرب منشآت أرامكو التي تعد عصب الاقتصاد للمملكة السعودية.
ثانياً: اكتشاف الرياض لمحاولات واشنطن خلق خلافات مع الإمارات ومع مصر بما يؤدي لمحاصرة السعودية ولذلك تحاول الرياض العودة إلى الملف العربي وإعادة هندسته بشكل يجعل منه ورقة ضغط وتفاوض مع أمريكا.
وأما على صعيد الدوافع السياسية والأمنية تتلخص أهم الدوافع في عودة العلاقات بثلاث نقاط أيضاً أهمها:
أولاً: تسعى المملكة لإعادة دورها وتأثيرها في المنطقة، بعد أن شعرت في حالة التراجع الكبيرة أمام الدورين التركي والإيراني، وكذلك ترى أنها معنية في حل ملفات الصراع في كل من (البنان وسوريا والعراق واليمن) والتي باتت تشكل تهديد على محيطها الحيوي.
ثانياً: الصين من خلال هذا الاتفاق تعيد منح المملكة السعودية مكانتها واستقلاليتها الاستراتيجية وقوتها الإقليمية في السياسية الدولية بعد أن كانت ترى نفسها مقيدة ضمن سياسية الولايات المتحدة.
ثالثاً: توجه المملكة السعودية نحو سياسة «تصفير المشاكل» لإنهاء التوترات الدولية القائمة ولذلك لتعزيز مكاسب إستراتيجية منها خلق بيئة استثمارية اقتصادية آمنة.
وبالتالي أهم انعكاسات الاتفاق على الأوضاع في الساحة السورية:
أولاً: إعادة التمثيل الدبلوماسي بين السعودية وسورية وانفتاح عربي وإقليمي نسبي على نظام الأسد.
ثانياً: من المفترض أن تطالب إيران من المملكة إيقاف دعم وتمويل كافة أشكال المعارضة السورية من شخصيات وكيانات، وستطلب السعودية أيضا من إيران إغلاق معسكرات التدريب للحوثيين في سوريا، وإيقاف تهريب المخدرات عبر الحدود.
ثالثاً: مساهمة المملكة في الضغط على تخفيف العقوبات الأوروبية والأمريكية عن نظام الأسد في حال استمرارية الاتفاق.
وأمام هذه الوقائع السريعة في إعادة العلاقات المفاجئة بين الدولتين بالوساطة الصينية لا يجب أن نتغافل عن عدد كبير من التحديات التي ستواجه هذا الاتفاق ولعل أهم هذه التحديات:
أولاً: سيكون هناك ضغوط كبيرة ومتنوعة على المملكة السعودية مما سيجعلها تحت مرمى الولايات المتحدة التي بدأت تشعر أنها تتعرض عملياً لحرب ناعمة بقيادة كل (الصين – روسيا – إيران).
ثانياً: صعوبة حسم ملف المخدرات ووقف تهريب حبوب «الكابتاغون» إلى دول الخليج عبر الأردن مع إيران وحزب الله في سوريا والبنان أما سيعزز خلل في استمرارية الاتفاق.
ثالثاً: لا يزال النظام الاقتصادي الإيراني تحت العقوبات الدولية ويعاني من تحديات تعوق عمليات إبرام أي اتفاقيات اقتصادية أو تعاملات تجارية ومالية دولية.
رابعاً: الاقتصاد في المملكة السعودية وإيران يعتمد على النفط في كلا الدولتين، وبالتالي ستكون عمليات التبادل التجاري محدودة بصادرات وواردات بسيطة لا قيمة لها وهذا ما يحد من تعزيز مسار عودة العلاقات.
وبالنظر إلى كل تلك التحديات يمكن أن يكون أمام المعارضة السورية بعض الفرص:
كل ما ذكر آنفاً يقع تحت بند ” إدارة النزاع في المنطقة ” وستنحصر آثاره على الملفات السياسية والتعاون الأمني أما الآثار الاقتصادية ستكون شبه معدومة على الأقل بالنسبة لسورية، بسبب وجود العقوبات الأميركية والدولية على سورية وإيران وروسيا وباعتبار أن الصين الراعي الأول لهذا الاتفاق، حالة الرهان السياسي المبني على التصريحات هنا أو هناك هو أهم ما يجب أن تتخلى عنه المعارضة السورية وتنحصر الفرص أمام المعارضة في:
أن تعلن بشكل صريح أنها مع الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة روسيا والصين وإيران وسعي اجسام المعارضة في دمج ملفات إجرام روسيا في سورية مع ملف أوكرانيا وبالتالي من الممكن أن يدفع الولايات المتحدة لجعل مناطق المعارضة السورية تحت النفوذ العسكري الأمريكي بالإضافة إلى أن المملكة ربما أعطت فرصة ضمنية لهياكل المعارضة في إعادة هيكلة نفسها من جديد.