“هل عفرين مقابل إدلب ؟”
عفرين مقابل إدلب ، رواية تتردد في الأونة الأخيرة بين أوساط السياسيين ووسائل الإعلام وأفردت لها بعض المواقع تحليلات مطولة، تلك التحليلات لاتعدوا كونها تحليلات غير منطقية ونظرة سطحية جداً من متبني هذه النظرية .
تركيا التي فرضت نفسها بقوة في الفترة الأخيرة واتخذت سياسة الحزم والحسم في ملفات لطالما كنا نعتقد أنها لن تتجاوز التصريحات والتهديدات التي اعتدنا سماعها من الساسة الأتراك على مدار السنوات الماضية .
دخلت تركيا معركة عفرين التي راهن الجميع على أنها مستحيلة وعيون الأتراك تنظر إلى أبعد من ذلك ، هذا الدخول إلى عفرين لايعني أن المقايضة قد تمت ( عفرين مقابل إدلب ) ، وأن الأتراك قد غضوا الطرف عن آخر معقل للمعارضة ، فتركيا التي تحارب الآن على جبهات ال pyd أذكى بكثير من أن تنام على وقع عفرين وتستيقظ على وجود إيران على حدودها الجنوبية .
يُدرك الساسة الأتراك أن الخطر الإيراني على أمنهم القومي أكبر بكثير من خطر الحزب الكردي، ويدركون أيضاً أن وجود هذا الحزب في سوريا لم يكن ليتم لولا الدعم الإيراني له ، فخيوط ال pyd تمتد إلى طهران وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد .
إن مسألة إدلب ليست بمسألة تقبل المساومة، وليست بمدينة عادية في عمق الجغرافيا السوريا كي يتخلى عنها الأتراك ، فالمدينة تشترك مع تركيا بحدود تتجاوز “المئة كيلو متر ” وهذا كافٍ ليكون ثقل إدلب كثقل عفرين في صلب الأمن القومي التركي والأهمية الجيوسياسية لدى صناع القرار في أنقرة، ومن طلب غصن الزيتون لن يتخلى عن الزيتون نفسه .
ولعل الأمر الذي سيراه البعض مفاجئً لو قلت أن مسألة بقاء المعارضة في إدلب هي مسألة تخص الروس أنفسهم ، فالروس وإن كانوا يشددون قصفهم على المدينة فهي ممارسة لا أخلاقية وإرهاب دولة للضغط على المعارضة من أجل الحصول على تنازلات سياسية ، فالروس أيضاً لا يريدون القضاء على آخر معقل للمعارضة في الشمال السوري ، ولايريدون إنهاء المعارضة بشكل كامل بقدر مايريدون إضعافها .
يدرك الروس تماما أن إنهاء المعارضة سيعني دخولهم في دوامة الإبتزاز الإيراني، المسيطر فعلياً على الأرض عبر آلاف الجنود والمليشيات المنتشرة في المدن السورية، ولعل وجود المعارضة بالنسبة للروس هو مايحافظ على توازن المصلحة بينهم وبين الإيرانيين، فالتهديد بإيقاف الطلعات الجوية كافٍ لردع الإيرانيين عن الإبتزاز والتفرد بالقرار السوري .
مما لاشك فيه أن السياسة التركية قد أثبتت نجاحها بشكل كبير، بعد سنوات من التردد وسياسة مسك العصا من المنتصف ، حين اعتقد الجميع أن السياسة التركية تلك ستبقى مستمرة ولن تتعدى التصريحات اليومية والتهديدات الجوفاء، لكن الواقع الآن نسف كل تلك الظنون والمراهنات الخاطئة .
أثبتت السياسة التركية ” سياسة اللعب على التناقضات والنفس الطويل” ، نجاحها الملحوظ، واستطاعت أن تفرض نفسها كلاعب فاعل لايمكن تجاوزه في المنطقة، وتمكنت حتى الآن من إقامة علاقة توازن مع قطبي العالم ( روسيا وأمريكا) وفرض واقع سياسي ونجاح استراتيجي فشلت فيه الدول العربية .
الكاتب: ماجد عبد النور-وكالة ثقة الإخبارية