هل ينتظر الثوار دائمًا أن تزهر زهور النصر في سماء مصيرهم؟
وكالة_ثقة
• في رحلة القوى المتصارعة في ساحة الثورات، هل ينتظر الثوار دائمًا أن تزهر زهور النصر في سماء مصيرهم؟ أم أنهم يبحثون في أغوار تلك الحروف المكتوبة على أوراق الزمن، بحثًا عن رموز النصر أو شهادات الهزيمة قبل أن تكتب بأقلام الحقيقة؟
• في مسرحية الثورات العظيمة، هل تلعب أوراق المصير دورها الخفي والغامض دائمًا كملائكة تنزل من سماء الأحلام لتبشر بالانتصار، أم أنها تمتطي أحيانًا قيود الهزيمة كصقور سوداء تحاصر الأماني؟ وهل يمكن للعدالة كملكة عظيمة في قصر القيم، أن تنزل قبل الزمن من عرشها العادل لتصدر أحكامها حتى قبل أن ينكتب النهاية؟
• في لوحة الثورات، هل تكون الأقدار دائماً راقصة بأنامل اللهب تنقل بين النصر والهزيمة، كأمواج البحر الجارفة التي تلعب بقوارب الأمل؟ وهل يمكن للعدالة، كسيدة منيرة في قصر الأخلاق، أن تلقي نظرتها العاشقة على مسرح الثورة، معزفة نغمات الحق والظلم قبل أن تسرقها الزوابع؟
في الثورة:
في بساتين التاريخ البعيدة، في شقائق الأزمان حيث تسكن الأرواح الثائرة وترتفع أصوات الثوار كأمواجٍ طافية على أفق التاريخ حيث مقامات الثورة التي تأسر قلوب البشر حيث تَتطلع ثورات الشعوب إلى زمنٍ جديد إلى نفوس مشتاقة للحرية إلى فجرٍ ينير سماء الظلم والقهر، ونبض قلب يحمل في طياته حلماً بعالمٍ مختلف، يبنى على العدالة والحرية والسلام ؛ الثورات، موجات عارمة من الاحتجاج، تتسلل إلى أرواح الناس كالأفكار التي تحرك الجبال، إنها صوت الحرية الذي لا يمكن أن يكون هادئًا، وهبة الشجب والاستيقاظ من سبات طويل ، تأتي بعزيمةٍ حديدية تتحدى القوى الرافضة للتغيير، وترقص على حدود الجمود ، تتنوع الثورات كألوان قوس قزح، فهناك ثورات سياسية تستند إلى إيديولوجيات معينة، وثورات اجتماعية شعبية تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية للشعوب، وثورات ثقافية تسعى لتغيير القيم والعادات وفي جميع الأحوال، تمتاز الثورات بشغفها القوي وبصمتها على صفحات التاريخ ، الثورات قصص حياة مكتوبة بأيدي البشر، إنها رحلات مليئة بالمخاطر والآمال، حيث يكتب المصير بأقلام الثائرين النبلاء وبصبر الشعوب على مآسي الفقد والتهجير، تنبض الثورات بحياة لا تنتهي، تبقى موجودة في ذاكرة الأجيال، وتشكل دروساً ترسم ملامح مستقبل عادل.
الثورات ليست مجرد رحلة نحو النور
فقد يكون مصيرها مظلماً، فالانتصار والهزيمة يمكن أن يتواليا في مشهد الثورة، والدماء قد تراق في سبيل الحلم، والأوطان قد تدمر في طيات الصراع، فالثورات كشلال جارف تجرف كل شيء في طريقها، ولكن هل ستجد مجراها نحو البحر المفتوح أم ستتحول إلى سيول ملتهبة تطفو على سطح الزمن كرماد مذاب؟ مصيرها يعتمد على مزيج معقد من العوامل، ولن يكون معروفاً حتى ترسى الغيوم وينجلي الضباب.
في غمرة التاريخ تتعاقب الثورات كنجوم في سماء الأحداث، ترقى بروح الشعوب نحو آفاقٍ جديدة فهي قصصٌ تروى بألوان الشجاعة والإصرار، تستحضر في ذاكرتنا الجماعية القادة والشعوب الذين أشعلوا شرارة التغيير من تلك الثورات ثورة فرنسا الكبرى 1789، تلك الثورة الجامحة التي أضاءت شعلة الحرية في قلوب الفرنسيين وبلغت طموحاتهم سماء السماء، إذ كان الشعار “حرية ومساواة وإخاء” نبراسًا يضيء الظلام، وقصة الشعب الفرنسي الذي حطم قيود الطبقات الاجتماعية، وشنَّ هجومه على أبواب الحرية والعدالة و ثورة أمريكا، فقد جسدت الصمود والتحدي، وأثبتت أن الأمل يمكن أن يتحقق على أرض الواقع كانت لحظة تجديد، حيث ألقت المستعبدين قيود الإمبراطورية البريطانية ورفعت راية دولة جديدة تقوم على قيم الحرية والمساواة ، وفي غمرة الاستبداد والتمييز، ظهر نيلسون مانديلا كقائد وسلمي ومثابر قاد جنوب أفريقيا نحو مياه الحرية من براثن الفصل العنصري على ضفاف التعاون والحوار، نسج مانديلا مستقبلًا يمتلئ بالأمل والمساواة ، هذه الثورات جسدت العزيمة والأمل، حيث أثبتت أن الإرادة القوية والثقة في التغيير يمكن أن تحقق الأهداف حتى في أصعب الظروف ففي سجلها تندرج دروسٌ قيّمة تُظهر أن الأمل لا يزال حيًا ومتجددًا، وأن الثورات التي تتطلع إلى التغير والتخلص من الاستبداد ما زالت تدقُّ أبواب الحياة.
أما في مقدمة الصفحات الحزينة من تاريخ الثورات المهزومة تخفي هذه الصفحات في أعماقها قصصًا مؤلمة لكنها تعكس أيضًا عزيمة الثائرين الذين وقفوا في وجه القمع والظلم والاستبداد حيث في مسرح التاريخ، يتقاطع مصير الثورات الشجاعة والطموحة مع حروف مكتوبة بالأسى والهزيمة لكنها تبقى قصص حافلة بالشجب والتحدي، تجسدت في ثورات لم تجد لها الحظ مبتسمًا إلا أن هذه الثورات المهزومة تحمل في جوفها دروسًا تشعرنا بروح المتابعة والصمود حتى يومنا هذا…
منها ثورة هنغاريا 1956 التي اجتاحت شوارع بودابست، هذه الثورة التي انطلقت كمسيرة سلمية من أجل الحرية والديمقراطية، تحولت بسرعة إلى حرب ضروس ضد قوات الاحتلال السوفيتي، رغم بسالة الثوار وعزمهم على كسر قيود الاستبداد، لكن القمع السوفيتي القاسي تسبب في انهيار هذه الثورة بقيت هذه الهزيمة علامة عار في تاريخ القمع الشيوعي، لكنها أيضًا جسدت رمزًا عظيما للتضحية والنضال
أما في رواية الصين، انطلقت ثورة تيانانمن عام 1989 كأغنية صاخبة للحرية والديمقراطية شبان وشابات من مختلف الطبقات احتشدوا في ساحة تيانانمن في بكين، حاملين في أيديهم رمز الأمل والتغيير و للأسف انتهت هذه الثورة بكمين دموي عنيف، حيث استخدمت القوات الصينية العنف لقمع المتظاهرين لم ينجح الثوار في تحقيق أهدافهم، ولكن ثورة تيانانمن لا تزال رمزًا للصراع من أجل الحرية والكرامة، رغم الهزائم، إلا أن هذه الثورات تبقى قصصًا حية ترفع راية الصمود والمثابرة في وجه القمع والظلم والاستبداد
تلى هذه الثورات المهزومة في التاريخ الحديث ثورات الشعوب بالربيع العربي في تونس – ليبيا – مصر … حيث كل من حاول الانعتاق والاستقلال تم قمعه وممارسة كافة أشكال الدكتاتورية والإجرام عليه من قصف ومجازر واعتقالات من المهم ان نقتنع ونسلم ان كل الحكام العرب تحت السيطرة واستمرارهم يتوقف على ارادة وقرار من القوى الكبرى التي فرضتهم، حكامنا لا تحميهم الشعوب، بل من قرر وفرض وجودهم بالقوة فلا شرعية شعبية او دستورية ديمقراطية او حتى شرعية تنموية عادلة لهم، الجدر بالذكر أن تجارب الثورات في الدول العربية كانت متنوعة وتأثيرها كان مختلفًا في كل بلد لكن تساوت بنفس المخرجات النهائية.
علينا أن نفهم أن المسار نحو التغيير يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا، وأولى متطلباته في مرحلة الثورة بناء مؤسسات ديمقراطية قوية والعمل على بناء استقرار اقتصادي واجتماعي واسع النطاق يشكل بديل أخلاقي وتنظيمي لأي بقعة كانت صغيرة أو كبيرة يتم تحريرها من الاستبداد.
الثورة السورية
عاش السوريون تحت وطأة نظام حكم استبدادي ديكتاتوري أدى إلى حرمانهم من كل أشكال الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التشاركية، وتركيز القوّة والموارد في أيدي سلطة أمنية ضيقة ومغلقة من عائلة أسماء الأسد ونظامهم ، وهو ما قاد بدوره إلى خروج السوريين في ثورة عام 2011 عام جمال البدايات عام روعة المظاهرات وروعة النضال السلمي عام زهور آذار عام صرخة الميلاد ضد فأر حقير مغتصب للسلطة، و في رحلة استعراض ثورات الشعوب، نجد أن الشمس تشرق فوق أرضية معركتها بألوان متنوعة، تنبعث منها دروسٌ عميقة حيث أنها رحلة تجريبية عبر صفحات التاريخ ، نكتشف فيها أن الزمان يكتب على ورق الزمن قصصاً لا تزول، قصص انتصارات وهزائم، تلك التي تراوح بين الأمل واليأس نستطيع أن نستخلص من تلك القصص دروساً عميقة، دروساً تتسلل إلى أعماق الوجدان وتترك أثراً لا يُنسى ثمة درس ينبعث بقوة من عمق التاريخ، درس يعلمنا أن الوحدة والتضامن هما نبراس الثورات الناجحة عندما يجتمع الشعب على رف واحد، عندما تكون الحاضنة الشعبية سند لثوارها يكون له القوة في تحقيق الانتصار ثمة زمن آخر يعلمنا أن التخطيط والإستراتيجية يشكلان ركيزتين لبناء المستقبل ليس للتصرفات العشوائية والفوضى مكان في قاموس الثورات الناجحة وهناك درس آخر يعلمنا أن العلاقات الدولية والدعم الدولي وتعزيز عمل منظمات المجتمع المدني في أخذ دورها في المجتمع يمكن أن تكون أدوات فعّالة على طريق الثورة عندما تتحالف القوى الوطنية مع القوى الدولية من الممكن أن يتحقق التوازن الدولي المطلوب لنجاح الثورة ، الحرية تؤخذ بالثورة و القوة وليست مكرمة وعطاء ، ولا ثورة بدون نخبة ثورية فاعلة ذات وزن تقودها عبر أحزاب وتعاونيات وطنية لديها تراكم معرفي وتمتلك أدوات وبرامج تنموية مخططة يكون أعلى قيمها الأمن والتنظيم ، ودروس كثيرة نستخلصها من سجل الثورات السابقة، فالتعلم من الأخطاء يمكن أن يمنحنا القوة لتفاديها…
وفي مسار الثورة السورية، نرى أن هذه الدروس يمكن أن تساعد في تحسين فرص الخلاص من الاستبداد ومن مصاصي الدماء وهي طريق الحرية والوحدة والتضامن بين مكونات الشعب السوري بكافة أطيافه بل و هي قاعدة أساسية أساسها التخطيط والإستراتيجية الجيدة، والعلاقات الدولية البناءة، والتعلم المستمر من الأخطاء، الثورة السورية رحلة ثورية عميقة، كتبها و قاد جمالها رعيل كالبدور منهم مي سكاف وعبدالقادر صالح والساروت والكثير وما زالت تكتبها أيادي الشجب والشجاعة، وتنقش على أجساد الذين يؤمنون بقوة التغيير في كل حرف من تلك القصة …
الكاتب حسن المروان