يحدث في دمشق.. سرقة بجلباب العمل الإنساني في رمضان
جرت العادة في دمشق -كما غالبية المدن والمحافظات السورية- قيام الفعاليات الخيرية والمبادرات الأهلية والمنظمات الإغاثية بتنظيم موائد الافطار الجماعي في ساحات المساجد والحدائق العامة، حيث عابري السبيل ومن تقطعت بهم السبل يجدون فيها ما يسد رمقهم ويسكت جوعهم، أما اليوم وبعد أن باتت تكاليف الحياة تثقل كاهل شريحة واسعة، ممن تمسك بخيار البقاء في الداخل السوري رغم بطش آلة القتل والدمار التي تتبعها قوات الأسد، حصر هذا النوع من العمل الخيري بالجمعيات المرخصة من النظام، وفي ظل تضاعف الأسعار بنحو 10 أمثال وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية دفع غالبية العوائل للاعتماد على تلك الجمعيات البحث عن أي طريقة تعينهم على تكاليف الحياة وهمومها.
توزيع 15% فقط
وفي هذه الظروف وجدت المنظمات الخيرية نفسها أمام تجار الحروب كما في كل القطاعات الحيوية، وتلقى هذه الفعاليات دعماً واسعاً ممن تبقى من تجار ورجال أعمال في دمشق، ويصف (ع. أ) الناشط في إحدى المبادرات لأورينت نت أن “المبادرة تتلقى مساعدات عينية ومادية ضخمة جداً إلا أن ما يتم تقديمه في مطبخ المبادرة بالقرب من الجامع الأموي لا يتجاوز 15% من المواد التي تتلقاها الجمعية، ففي اليوم الأول من رمضان تلقت الجمعية نحو 77 كيس رز و53 كيس برغل، ونحو 450 كيلو لحم خاروف، إضافة إلى المساعدات المادية التي تم استلامها دون وصول مالية، حتى ان إحدى النساء تبرعت بحلي ذهبية”.
غطاء أمني
أما (س. م) فقال لأورينت نت عن إحدى “الفعاليات” في دمشق “تم تحضير نحو 3000 وجبة افطار وصلت إلى 23 منطقة في دمشق، أنجزت بجهود نحو 40 متطوعاً بين التحضير والطهي والتبريد والتوزيع، والجميع يعلم بأن المبادرة تلقت مساعدات أهلية يكفي لتحضير نحو 22 ألف وجبة وذلك وفقاً لحسبة بسيطة أجراها زميله في المبادرة والمسؤول عن استلام المساعدات من المتبرعين”.
وفي تصريح خاص لـ “أورينت” أكد أحد مسؤولي المبادرات الناشطة في دمشق أن تلك المبادارت تحظى بغطاء أمني من قبل عدة أفرع أمنية بعد الموافقة الرئيسية من فرع الأمن السياسي، حتى أن مدير إحدى أكبر مبادرات دمشق موظف في مكتب بثينة شعبان، ما يجعل انتقادهم من قبل المتطوعين أمرا بالغ الخطورة رغم أن المتطوعين أنفسهم يتم انتقائهم بعناية وليس بشكل عشوائي وطوعي كما تدل الكلمة.
المساعدات الدولية تسرق مرتين
لايخفى على كل من شاهد تحضير الوجبات بأن جزء كبير منها يأتي من المساعدات المخصصة للسوريين الذين نزحوا من المناطق الساخنة لمئات العائلات التي تقبع تحت خط الفقر، والتي لا تجد مردوداً مالياً تعتمد عليه، لتذهب إلى “الجمعيات الخيرية”، وهناك عشرات حالات التزوير والقوائم الوهمية يتم رصدها يومياً دون محاسبة الجناة لأنهم متنفذين كما لاتفوت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) مناسبة إلا وتعبر عن قلقها إزاء تقارير تذكر بأن بعض المساعدات الغذائية الطارئة والمساعدات الإنسانية لا تصل إلى المدنيين في سورية بسبب استيلاء القائمين عليها.
وقال فرحان حق المتحدث باسم الأمم المتحدة للصحافيين “تشعر يونيسيف بقلق شديد إزاء تقارير عن عدم وصول بعض إمداداتها الإنسانية إلى وجهتها المقصودة”، وأضاف أن يونيسيف تحاول التحقق من تلك التقارير ومن صورة لصناديق عليها ملصقات الأمم المتحدة والهلال الأحمر!!
غلاء الأسعار حد من الخيارات المتوفرة أمام غالبية المواطنين المنهكين من تبعات الحرب ومداخيلهم المتواضعة، وأثّر ذلك على العادات والتقاليد؛ فشهر رمضان الذي كان شهر “اللمة”، وفرصة لجمع شمل أفراد الأسرة حول مائدة إفطار واحدة، لم يعد كذلك بعد أن نزح 5 ملايين خارج سورية، لكن رغم كل ذلك ظهر في المجتمع السوري من ينهش بلحم الفقراء ويتغذى على دمائهم، حيث تسول لهم أنفسهم سرقة لقمة عيش تلك العائلات الفقيرة، وابتداع الحيل والالتفاف على القوانين من أجل سرقة طرود المساعدات الإغاثية.