جرائم المليشيات الإيرانية في سورية.. التطهير الطائفي أبرزها
جرائم المليشيات الإيرانية في سورية.. التطهير الطائفي أبرزها
بقلم: صلاح هوى
وكالة ثقة
تعمل إيران منذ تدخلها في سورية لقمع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد على ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق هذا الشعب المقهور. ومن أخطر هذه الانتهاكات التطهير الطائفي بهدف الوصول إلى إحداث تغيير ديموغرافي في البلد. استقدمت إيران أعداداً كبيرة من الميليشيات الطائفية الموالية لها من دول عديدة لتحقيق هذا الهدف مما تسبب بأكبر موجة تهجير في العصر الحديث.
مع انطلاق ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد عام 2011، سارعت إيران للتدخل المباشر بغية حماية الأسد وقمع الثورة. ورغم أن الثورة السورية حلقة في سلسلة ما بات يعرف ‘بثورات الربيع العربي’، إلا أن البُعد الطائفي سرعان ما فرض نفسه على المشهد السوري. فإيران تعتبر سورية منطقة نفوذ حيوي لها يخدم تطلعاتها الطائفية والجيوسياسية في المنطقة كلها. لا بل إن السيطرة الإيرانية على مصادر صنع القرار السوري الذي بدأ يتصاعد مع ’وراثة‘ بشار الأسد للحكم في سورية بعد وفاة والده حافظ الأسد عام 2000 سبق سيطرتها على الساحة العراقية بعد احتلال بغداد عام 2003.
كان الشعب السوري واعياً لعدم الوقوع في الفخ الطائفي الذي حاول النظام جره إليه. فقد تجنب إطلاق الشعارات أو الممارسات التي يمكن أن تصور ثورته على أنها نزاع طائفي مما سيعطي الانطباع بأنها حرب أهلية داخلية بين مكونات الشعب نفسه. لكن النظام ومن خلفه إيران نجحا في تجنيد أتباع المذهبين الشيعي والعلوي من خلال الإيحاء بأن الشعب السوري (ذو الاغلبية السنية) يحارب الأقلية العلوية الحاكمة.
مع الانهيار السريع لجيش الاسد وسيطرة الثوار السوريين على مناطق واسعة من البلد، لم يجد الإيرانيون بُداً من الاستعانة بميليشيات من خارج البلد. تحت قيادة مباشرة من قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، استطاعت هذه الميليشيات المشحونة عقائدياً إيقاف تقدم الثوار السوريين في العاصمة دمشق وباقي مراكز المحافظات الاخرى.
معركة القصير: إعلان حرب طائفية على الشعب السوري.
كما بدأت هذه المليشيات الطائفية تشن عمليات تطهير في بعض المدن السنّية تحت شعارات مذهبية تأجج الصراع الطائفي. ففي أواخر شهر أيار 2013، بدأت ميليشيا حزب الله اللبناني التابع لإيران عملية تطهير واسعة بحق الأهالي في مدينة القصير، بريف حمص المحاذية للبنان. ورغم مؤازرة الثوار من مختلف مناطق سورية للمدينة، إلا أن ميزان القوى كان يرجح لصالح ميليشيا حزب الله بفضل ترسانة الأسلحة الضخمة التي يتلقاها من إيران.
تمكنت هذه الميليشيا الطائفية من السيطرة على المدينة بعد تدمير أجزاء كبيرة منها بالاعتماد على غطاء ناري كثيف من راجمات الصواريخ وطائرات النظام ومشاركة حوالي 5000 مقاتل، كما صرح القيادي في الجيش الحر اللواء سليم إدريس خلال مقابلة مع قناة BBC في 30 أيار 2013. ورغم مناشدات اللواء إدريس لدول العالم والأمم المتحدة للتدخل والحؤول دون وقوع مجزرة كبرى بحق الأهالي، إلا أن تلك المناشدات لم تلقَ آذاناً صاغية، مما أدى لفرار عشرات آلاف المدنيين من سكان المدينة.
كانت تلك الحلقة الأولى فيما تحوّل لاحقاً لسلسلة طويلة من عمليات التهجير الممنهج بحق الأهالي في المدن ذات الغالبية السنية وخاصة بعد التدخل العسكري الروسي.
فمع عجز الميليشيا الطائفية عن قمع الثورة نهائياً لصالح الأسد، طالبت إيران روسيا بالتدخل عسكرياً لتحقيق ما عجزت عنه. وبعد أشهر من بدء التدخل الروسي في أيلول 2015، بدأ الغطاء الجوي الكثيف من الطيران الحربي الروسي يرجح كفة الأسد. فتصاعدت معه عمليات التهجير القسري لأهالي المدن الثائرة ضد نظام الأسد.
ففي بداية 2016 حاصرت الميليشيات الطائفية مدينة حلب الشرقية وأجبرت مئات الآلاف من أهلها على إخلائها. كما قامت بعملية مشابهة بتهجير أهالي ريف دمشق الغربي وأحياء دمشق الشرقية في 2017، حسب تقرير “الخوذ البيضاء” الصادر في أيلول 2021. وأشار التقرير إلى أن عمليات التهجير الممنهج بلغت أوجها في 2018 بتهجير “أحياء الغوطة الشرقية والقلمون في ريف دمشق الجنوبي و…. مناطق في ريف حمص الشمالي و … جنوب سورية في القنيطرة ودرعا”. ومع استكمال عمليات التطهير الطائفي بحق المكون السنّي، قامت الميليشيات الطائفية في 2020 بالسيطرة على معاقل الثوار في ريف حلب الشمالي بزعم تأمين بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين.
أصَمّتْ دول العالم آذانها عن نداءات المهجَّرين وعن تقارير المحللين التي حذرت منذ البداية من مخطط يهدف لاقتلاع أهل السنة من مناطقهم واستبدالهم بآلاف العائلات من إيران ودول أخرى. ففي مقال لصحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية في 26 تشرين الأول 2016 وترجمته ’عربي 21‘، حذّر البروفسور الإسرائيلي إيال زيسر بأن الحكومة العراقية ونظام الأسد وبتوجيه من إيران ودعم من الولايات المتحدة وروسيا يسعيان لإحداث تغيير ديموغرافي يطال السنّة في البلدين و يقلص عددهم بشكل جذري.
لقد نجحت إيران بتهجير أكثر من نصف سكان سورية وبتغليف مشروعها الفارسي الاستعماري بغطاء مذهبي جنّدت له أتباع المذهب الشيعي من كل دول العالم تحت قيادتها. وقد فر الملايين إلى خارج البلاد فيما يعيش مئات آلاف النازحين تحت الخيام في ظروف مأساوية صعبة. ولا يزال مجرمو الحرب الذين ارتكبوا هذه الفظاعات طلقاء ويخططون لارتكاب جرائم أخرى في ظل غياب أي رادع دولي.