انتهاكات إيران في سوريا أكبر من عمر الثورة
بقلم: خالد المحمد
وكالة ثقة
ربما لا يعلم البعض أو الكثير من السوريين عن امتدادات أذرع إيران في سوريا قبل الثورة السورية عام 2011، حيث ارتبطت في معرفتهم التدخل الإيراني في سوربا وطائفيته بالثورة السورية.
ربما لأن أنياب إيران الطائفية قبل الثورة لم تكن تدخل في جميع المناطق السورية، حيث كانت وقتها تستغل أو تخترع وجود بعض الأضرحة والمزارات لآل البيت كما في دمشق والرقة وحماة، لتغرس عن طريقها نفوذها الذي كان يروج للفكر الخميني ويدق له مسامير في بلادنا، كما كان كذلك في اليمن والعراق ولبنان.
في حماة لا زلتُ أذكر – وأنا ابن ريفها- قبل سنوات كثيرة من الثورة السورية انتشار التشيع في العديد من هذا الريف، وخصوصاً في قرية قمحانة شمال حماة، والتي تشيّع منذ ذلك الوقت أكثر من نصف عائلاتها، وبفضل هذا التشيّع والقرب من إيران أصبحت هذه العائلات تتمتع بنفوذ سياسي ومالي كبير داخل مفاصل النظام السوري حينها.
وبالقرب من قمحانة وعلى جبل زين العابدين استغلت إيران وجود مقام للإمام زين العابدين، حيث بنت فندقاً هناك وتمتعت بنفوذ قوي.
وتمددت إيران أيامها عن طريق تشييع عدد من العائلات والأفراد في قرى ريف حماة الشمالي والشرقي والغربي، الذين كانوا يتقاضون حينها رواتب لقاء تشيّعهم ونشر الفكر الخميني، الذي كان يتمتع بعلاقات لا تخفى على أحد مع النظام السوري، بعد قيام النظام الخميني في إيران، ووصل هذا النفوذ إلى الجيش السوري مع وجود الكثير من الخبراء والضباط الإيرانيين في الجيش السوري، مستغلاً أيضاً محبة السوريين أيامها لسمعة حزب الله اللبناني المقاومة لإسرائيل قبل انكشاف حقيقته فيما بعد.
ومع انطلاقة الثورة السورية كنا شهوداً عياناً منذ لحظاتها الأولى، تواجد عناصر شيعية إيرانية مع حملات المداهمة التي كانت تشن على حماة وريفها ووجود صلاحيات وسلطات واسعة لهذه العناصر الإيرانية، على ضباط وعناصر جيش النظام السوري.
وكغيرها من مدن ومناطق سوريا تزايد هذا التواجد الذي تحول بشكل صريح ووقح من التواجد الطائفي والثقافي المبطن الوديع، إلى تواجد عسكري على الأراضي السورية وبشكل معلن ووقح.
وكانت بدايات تشكل ميليشيا الدفاع الوطني في المدينة وريفها، من قبل المتشيعين، والتي بدأت إطلاق النار على المتظاهرين منذ عام 2011 من قبل شبيحة قمحانة المتشيعة، وغيرها من القرى التي كانت تشهد حركة تشيع لأبنائها قديماً.
تشكل حماة نقطة هامة ورئيسية في المشروع الإيراني والهلال الشيعي الممتد من طهران إلى شرق المتوسط، حيث تقع حماة في نقطة الوصل الهامة للقطعة السورية من الهلال، والممتد حالياً من البوكمال إلى دير الزور والرقة وحلب ثم حماة التي تصله بطرطوس ولبنان.
لذلك دأبت إيران على فرض نفوذها المطلق في حماة لموقعها هذا ولكونها أيضاً نقطة التماس الأهم مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في إدلب شمالاً وغرباً وبادية حماة شرقاً.
وكانت إيران قد استماتت في إخضاع ريف حماة لسيطرة النظام في تنسيق مع الروس، ولاسيما في معارك مورك والريف الشمالي، ولعلّ مقتل الجنرال الإيراني عبد الله اسكندري في معارك مورك 2014 وهو أحد الضباط المهمين في الحرس الثوري الإيراني خير دليل على أهمية هذه المناطق لها.
تفرض إيران من خلال ميليشياتها اليوم سيطرتها بشكل كامل على مناطق ريف حماة مشكلة طوقاً يفرض حصاراً كاملاً على مدينة حماة وصولاً إلى حمص وباديتها.
وتشكل حماة نقطة النفوذ الأكبر بعد دير الزور وحلب ودمشق ولموقعها المتوسط وقربها من نقاط التماس جعلتها إيران النقطة الأهم لتخزين وتصنيع الذخائر الإيرانية في سوريا.
يشكل اللواء 47 جنوب مدينة حماة نقطة القيادة للقوات الإيرانية في حماة، حيث تسيطر عليه قيادات من فيلق القدس بشكل مباشر، وشكلت ضمنه مركزاً للتجنيد والتدريب لأبناء محافظة حماة، حيث تسعى لتجنيد شباب حماة برواتب مغرية تفوق رواتب جيش النظام بأضعاف، وتعهد من قبل قيادة إيران هناك بأن من يخدم في الميلشيات الإيرانية، يعفى من الخدمة الإلزامية في جيش النظام.
ويشمل اللواء اليوم وفق ناشطي المنطقة، مستودعات ضخمة للقوات الإيرانية ومركز انتساب وتدريب ومقبرة جماعية.
وليس بعيداً عنه جبل زين العابدين الذي كان أساساً مقراً للتواجد الإيراني قبل الثورة، وصار اليوم بفندقه الإيراني بعد خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، مركزاً لزواج المتعة الذي تروّج له إيران في المدينة، مستغلة فقر شبابها ليكون باباً للدخول إلى المذهب الخميني، داعمة ذلك بقرب زين العابدين من قمحانة معقل التشيّع الأول في المحافظة.
و تتابع إيران حصارها لمدينة حماة وتأمين هلالها الشيعي شرق حماة من خلال السيطرة الكاملة على خط أثريا في ريف حماة الشرقي، ونقاط عديدة في الشيخ هلال وريف السلمية والسعن، من خلال ميلشيات فاطميون والنجباء وعصائب أهل الحق وحزب الله، وعمدت ميليشيا فاطميون مؤخراً إلى توطين عائلاتهم في تلك المناطق، ضمن سياسة التغير الديمغرافي بعد تهجير أهلها من عرب الموالي.
وفي الجانب الغربي من المدينة تفرض سيطرتها على معظم مناطق مصياف، حيث بات مركز البحوث العسكرية في مصياف الذي تعرض لقصف عنيف من القوات الإسرائيلية صيف ،2022 مركزاً لصناعة وتطوير الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى وفقاً للكثير من التقارير الميدانية والصحفية، وباتت معامل الدفاع في دير شميل غرب حماة مركزاً لصناعة الذخائر والألغام، ومعسكر الشيخ غضبان والرصافة مركزاً لتخزين الأسلحة في جبالها.
ولا ندري اليوم والأيام القادمة إلى أين سيصل هذا التواجد الإيراني، خصوصاً مع اعتماد السرية والتمويه مؤخراً في هذا التواجد بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سوريا، والتي كانت ولازالت إسرائيل نفسها متخوفة من تعاظم هذا التواجد، والذي بات متجذراً أكثر من أي وقت مضى فما عاد مقتصراً على التواجد العسكري وإنما تواجد ديمغرافي سكاني وثقافي وطائفي ومالي، يبرز فيها هنا تعاقد النظام الإيراني من خلال شركة M.M.T.E الإيرانية مع الحكومة السورية لتشغيل معمل حديد حماة المعمل الوحيد في سوريا ووضع يدها عليه.
وأيضاً شركة بيمانز الإيرانية لتأهيل وتشغيل محطة محردة شمال غرب حماة. وتغللها أيضاً في النسيج الحموي المحافظ عبر الترويج لزواج المتعة، وزيارة القبور، والمزارات والتشكيك بالصحابة، ودفع الأموال، والتشيع الكامل لتفكيك هذا المجتمع.
لازال النظام الإيراني منذ أكثر من ثلاثين سنة ينخر في المجتمع السوري، حالماً باستكمال هلاله الشيعي، الذي كان المجتمع السوري هو الحلقة الأكثر صعوبة فيه، ولكن تداعيات الثورة وتطور أحداثها خصوصاً في السنوات الأخيرة، سهّل هذا التمدد على الإيرانيين، الذين لازالت انتهاكاتهم في سبيل ذلك انتهاكات متغّولة لأنها تلتهم البشر والحجر والأرض والفكر والدين، وتسلخ المجتمع السوري عن تاريخه وثقافته ودينه.