تعيينات ترامب تزلزل إيران ورسالة خامنئي للأسد تتعلق بالحرب التي لم تأتِ بعد !
عقيل حسين
في 8 نيسان/ابريل الماضي 2024 زار وزير خارجية إيران الراحل حسين أمير عبد اللهيان سوريا، بعد اسبوع من التحول الأخطر وقتها، والذي تمثل بقصف اسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق.
إيران استمعت لنصائح بشار !
كان الوزير الإيراني يحمل سؤالاً وليس رسالة للنظام السوري، وقد طرحه على رئيس النظام بشار الأسد: ما هو موقفكم من توسيع الحرب بعد ما حصل ؟
تقول المصادر إن بشار الأسد أكد تفضيله تجنب هذا الخيار، وكرر عليه ما سمعه من نصائح و معلومات تؤكد أن عملية طوفان الأقصى هي ايلول 2001 جديدة، وأن أي مجاراة لنتنياهو فيها يعني سقوطاً بالفخ الذي يريد جر “المحور إليه” بعد أن حسم مع داعميه في الإدارة الأمريكية قرار الحرب المفتوحة في المنطقة.
وتضيف المصادر اللبنانية، بينما كان الوزير الإيراني، الذي قتل لاحقاً برفقة رئيسه إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية ما زال غامضاً، يحمل سؤال الحرب إلى دمشق، عاد إلى طهران وهو يحمل رأي بشار والنظام بعد أن أبلغه لقادة حزب الله في بيروت.
وحسب هذه المصادر فإن عبداللهيان أبلغ المسؤولين في طهران أن ما سمعه من الأسد منطقي من حيث المبدأ، لكن كتقييم خاص به فإنه بات على يقين أن النظام السوري لن يدخل الحرب مهما حصل، بل إن بشار طلب منه أن يجنب حزب الله نفسه المشاركة بها، كما نقل للقيادة الإيرانية تهجماً شديداً من الأسد على حماس.
المهم بقاء الأسد !
في تعليقه على هذه الزيارة وهذه المعلومات، نشر الصحفي اللبناني منير الربيع مقالاً بموقع المدن في 9 ايلول 2024 قال فيه تحت عنوان فرعي “المهم للمحور بقاء الأسد”.
لم تكن إيران قادرة على عدم تفهّم دمشق، لا سيما أن سوريا كانت قد تلقت نصائح عربية وروسية بعدم الانخراط، وإيران لم تعد وحدها المسيطرة بقوة وفعالية وأحادية على الجغرافيا السورية أو على القرار السوري.
تفهم الإيرانيون الموقف السوري، كما تفهّمه حزب الله على لسان أمينه العام الراحل حسن نصرالله، الذي خرج في أحد خطاباته قائلاً إنه ليس المطلوب من سوريا وإيران القتال في هذه المعركة، وإن موقف سوريا ودورها معروف “وهي بصمودها تخدم المحور”.
هذا الكلام، لا تزال تردده مصادر قريبة من حزب الله في هذه المرحلة وتقول: “إن حزب الله يعلم أن سوريا غير قادرة على الدخول في هذه الحرب لأسبابها الداخلية، ولكنها في المقابل لا تزال حريصة على تقديم الدعم والمساندة للحزب في لبنان، وهناك سلاح يتم تمريره”.
وتضيف المصادر: “ليس المطلوب من سوريا التورط في هذه الحرب، بل أن تحافظ على نفسها وبقائها، والمهم أن لا يسقط النظام. فبقاء الأسد هو مصلحة إيرانية ومصلحة لحزب الله، أما في حال الانخراط فيمكن أن يتدخل الإسرائيليون والأميركيون بقوتهم الكبيرة لإحداث تغيير كبير في سوريا، ومن ضمنها إسقاط النظام، أو الدخول في معركة مفتوحة معه. وهذه حتماً سترتد سلباً بالمعنى الاستراتيجي على حزب الله”.
رأس المال الايراني !
والحق أن بقاء الأسد هو بالفعل أهم ما لدى إيران التي باتت على يقين أن زمنها الشرق أوسطي انتهى، وأنه لا يجب أن تخسر كل شيء، وإلا لو أرادت مجابهة ما تتعرض له بعد كل ما لحق بها من خسائر وضربات وإذلال، لطلبت من ميليشياتها في العراق التحرك، أو حتى من الحوثي في اليمن التصعيد أكثر، فهي أقل أهمية لمظام الملالي من الناحية الاستراتيجية بحال تعرضت لضربات اسرائيلية انتقامية مميتة، لكن من الواضح أن طهران باتت تفضل الحفاظ على ما يمكن من رأس المال وتقليل الخسائر ما أمكن، بدال الدفاع عن المكاسب التي حققتها طيلة العقود الماضية في الشرق الأوسط، والتي لم يعد ممكناً على ما يبدو الدفاع عنها.
لكن هل هذا يتسق مع الحديث اليوم عن مخاطر الرسالة الإيرانية التي قال مستشار مرشد الثورة علي لاريجاني إنه وضعها بين يدي بشار الأسد يوم الجمعة، وطلب منه رداً شخصياً على علي خامنئي بخصوصها ؟
ألا يؤشر هذا التصريح بقوة على أن إيران تريد موقفاً صريحاً من النظام السوري حول مسألة المشاركة في الحرب ضد إسرائيل ؟
شخصياً لا أعتقد أن لاريجاني جاء برسالة بهذا المضمون، فالحرب قرار عدم الانخراط بها اتخذ ايرانياً بالأصل، لأن طهران تدرك منذ البداية أن لا طاقة لها بمثل هذه المواجهة، وستترك إسرائيل تعربد ما تشاء في أجواء إيران نفسها، وتستهدف ما تشاء من منشاءات ومواقع وأهداف، مع الاستمرار بتوجيه ضربات شكلية لتل أبيب تحفظ لها ماء الوجه، لكن بشرط ألا تصل الحرب الإسرائيلية إلى مرحلة الاجهاز على النظام والقضاء عليها، وعندها لن يكون للحسابات أي معنى، والخيار الوحيد الذي يجب اعتماده هو (علي وعلى أعدائي) طالما باتت المسألة وجودية.
برأيي إن هذا ما جاء بلاريجاني إلى دمشق، وهذه هي الرسالة التي حملها من خامنئي، ومختصرها هو التالي:
تفهمنا وايدنا موقفكم بعدم الانجرار لهذه الحرب طالما بقيت في حدود قطاع غزة..بل وابتلعنا حتى مسألة القضاء على حزب الله في لبنان، لكن الآن فاز ترامب بالانتخابات الأمريكية، وها هو يعين أشد المتطرفين ضد إيران في المواقع الحساسة بإدارته، وغالباً سيدعم بل وينخرط بمواجهة أكبر ضد إيران، فإذا حصل ذلك ما هو موقفكم ؟..هل ستشاركون في المواجهة بجانبنا أم لا ؟..هل ستسمحون للقوات التابعة لنا باستخدام جبهة الجولان أم لا ؟..
هذا هو السؤال برأيي، وليس كما يعتقد الكثيرون أن سؤال خامنئي الذي حمله مستشاره إلى دمشق هو حول إذا ما كان نظام الأسد سينخرط بالمواجهة الدائرة الآن بهذا المستوى، فهو مستوى تتمنى طهران نفسها الا يتطور أكثر وستكون سعيدة جدا بأن يبقى على ما هو عليه، وعندها هي نفسها لن تشارك في اللعب به.