مواقف الفنانين السوريين بين الولاء للنظام وتغيير المسار بعد انتصار الثورة
في قلب الثورة السورية التي انطلقت عام 2011، وقف عدد من الفنانين السوريين إلى جانب نظام الأسد، مشيرين إلى ولائهم المطلق لنظام دمر البلاد وأغرقها في الحرب والدماء.
ومع تقدم الأحداث وانتصار الثورة السورية عام 2023، بدأ هؤلاء الفنانين يظهرون في مواقف متباينة بين التزام الصمت أو التماهي مع الثورة، وبين التشبث بمواقفهم الداعمة لنظام الأسد، ولعل هذا التحول في مواقفهم يثير تساؤلات كثيرة عن الولاء والانتهازية، وكيف يمكن للأسماء اللامعة في الفن أن تتحول إلى أدوات في يد الأنظمة الاستبدادية.
من بين هؤلاء، يأتي “محسن غازي”، الذي تولى منصب نقيب الفنانين السوريين في فترة النظام البائد. غازي، الذي عرف بتشبيحه وارتباطه الوثيق بمؤسسات النظام، لم يتوانَ عن مهاجمة الفنانين الذين اختاروا الوقوف مع الثورة.
وسبق له أن ظهر في مناسبات عديدة مع شخصيات شبيحة بارزة، منها “نابل العبد الله”، قائد ميليشيا الدفاع الوطني في مدينة السقيلبية، ليؤكد من جديد ولاءه لنظام الأسد رغم انهياره.
وبينما التزم عدد من الفنانين الصمت بعد سقوط النظام، بقي آخرون متمسكين بمواقفهم السابقة، متجاهلين التغيرات التي عصفت بسوريا. من هؤلاء، المطربة ميادة الحناوي، التي لم تغير موقفها رغم الأوضاع الجديدة، والممثلة شكران مرتجى التي نشرت عبر حسابها على إنستغرام كلمات تُظهر خيبة أملها دون التوضيح بشكل مباشر موقفها من الوضع الراهن.
أما باسم ياخور، الذي عرف بمواقفه المؤيدة للنظام، فقد استمر في تمسكه الصارم به، رغم ما أثارته تصريحاته من جدل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد دفاعه المستمر عن بشار الأسد.
في المقابل، كانت رنا الأبيض و”عارف الطويل” من أبرز الوجوه التي استمرت في التظاهر بالولاء للنظام، حيث ظهرا في مناسبات عدة بجانب قوات الأسد، وكرسا مواقعهم لدعم الميليشيات المسلحة تحت مظلة “محور المقاومة”.
بدوره الفنان معن عبد الحق، المعروف “صطيف الأعمى” في مسلسل “باب الحارة”، أصبح من أكثر الفنانين إثارة للجدل بآرائه الصريحة الموالية للأسد.
وتبنى عبد الحق خطابًا راديكاليًا على مواقع التواصل، داعيًا إلى التمسك بنظام الأسد ورفض الثورة، بل ودافع عن تدخلات إيران في سوريا، مُعتبرًا إياها جزءًا من “محور المقاومة”.
ومن بين الفنانين الذين حاولوا تبرير مواقفهم، يبرز بسام كوسا، الذي ادعى أنه لا يؤيد ولا يعارض النظام، وكرر أسفه على سقوط القتلى من الطرفين، إلا أن تصريحاته لم تخفِ الولاء الضمني للنظام.
أما عباس النوري، فقد اعترف بتعرضه لضغوطات أمنية بسبب تصريحاته، فيما أكد يزن السيد وبشار إسماعيل أنهما يعتبران أن “سوريا انتصرت”، وهو ما يعكس التمسك المستمر بمواقفهم المؤيدة.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور نقابة الفنانين، التي كانت تحت قيادة “زهير رمضان” المعروف بمواقفه التشبيحية، حيث تحولت إلى أداة بيد النظام لتجييش الفنانين ودعم الحملة الأمنية ضد الشعب السوري.
هذا ولعبت النقابة دورًا كبيرًا في نشر خطاب النظام وحث الفنانين على دعم الأسد، وهو ما ساهم في تكريس حالة القمع والتسلط التي طالت معظم مفاصل الحياة في سوريا.
دريد لحام، أحد أقدم الفنانين الذين دعموا نظام الأسد، كان له نصيب كبير في هذه الحقبة، حيث عبر عن ولائه للإيرانيين من خلال خطاباته الداعمة لقائد إيران علي خامنئي، معتبرًا إياه “رمزًا للمقاومة”.
هذه المواقف كانت بمثابة تكريس لما شهدته سوريا خلال السنوات الماضية من تضليل إعلامي وتغطية على جرائم النظام السوري.
إجمالاً، يمكن القول إن انتصار الثورة السورية قد وضع هؤلاء الفنانين في موضع حرج، فبينما حاول البعض التبرؤ من مواقفهم السابقة، استمر آخرون في التمسك بدعمهم لنظام الأسد، متحدين بذلك الشعب السوري الذي خرج ضد هذا النظام. اليوم، بعد أكثر من عقد من الزمان، أصبحت مواقفهم مصدرًا للجدل والانتقادات، ليواجهوا عزلة مجتمعية بعد أن رفضوا أن يكونوا جزءًا من التغيير الحقيقي في سوريا.