
تحولات إقليمية.. ماذا يحمل لقاء الشرع وأردوغان لدمشق وأنقرة؟
ملفات معقدة على طاولة الشرع.. فما أبرزها؟
في تحول إقليمي لافت، استقبلت مدينة إسطنبول التركية لقاءً عالي المستوى جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، في ثالث زيارة رسمية للشرع منذ توليه الحكم. هذه الخطوة تأتي في سياق تصاعد واضح في مسار الانفتاح بين أنقرة ودمشق بعد سنوات من الجفاء، ما أثار تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين البلدين، وحجم التحول الذي يشهده المشهد السياسي في المنطقة.
اللقاء لم يكن بروتوكوليًا فقط، بل حمل في طياته ملفات بالغة الحساسية، كان أبرزها مستقبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي لا تزال تمثل هاجسًا أمنيًا لتركيا. أنقرة طالبت بضمانات تضع حدًا لنشاط هذه القوات على حدودها الجنوبية، فيما أكد الشرع تمسكه بسيادة الدولة السورية، رافضًا بقاء أي سلاح خارج مؤسسات الدولة، في إشارة إلى خطوات يجري اتخاذها لدمج بعض عناصر “قسد” ضمن أجهزة الدولة الرسمية، في إطار ما وصفه بـ”رؤية وطنية موحدة”.
على الصعيد الاقتصادي، شكّل ملف العقوبات الغربية المفروضة على سوريا أرضية تفاهم مشتركة بين الجانبين، حيث اعتبرت أنقرة ودمشق أن رفع هذه العقوبات يمثل فرصة استراتيجية لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار. وأبدت تركيا رغبة صريحة بلعب دور رئيسي في هذا المسار، لا سيما في مجالات البنية التحتية والطاقة والدفاع، وهو ما يفتح الباب أمام شراكة طويلة الأمد، تتجاوز التعاون الاقتصادي لتشمل الجوانب الأمنية والعسكرية.
في هذا السياق، جرى بحث إنشاء قواعد جوية تركية في مناطق وسط سوريا، كجزء من اتفاق أوسع يشمل تدريب قوات الجيش السوري الجديد، وتعزيز التعاون الاستخباراتي في مواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها التهديدات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية. وأكد الطرفان رفضهما لهذه الاعتداءات، معتبرين أنها تهدد استقرار المنطقة ككل، وسط دعوات تركية لمواصلة التنسيق الدبلوماسي دفاعًا عن سيادة سوريا.
ملف اللاجئين السوريين في تركيا حضر بقوة خلال اللقاء، إذ شدد الجانبان على أهمية برنامج “العودة الطوعية”، في ظل إعلان أنقرة عن عودة أكثر من 145 ألف لاجئ سوري منذ بداية العام، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم خلال الأشهر المقبلة. الشرع أكد استعداد بلاده لتأمين بيئة آمنة للعائدين، تشمل توفير الخدمات الأساسية وضمان سبل العيش الكريم.
تعكس زيارة الشرع إلى تركيا ملامح تحوّل سياسي عميق في خريطة التحالفات بالمنطقة، لا سيما بعد سقوط نظام الأسد وصعود قيادة جديدة في دمشق. وبينما تسعى تركيا لتعزيز نفوذها في الجنوب السوري عبر أطر أمنية واقتصادية، تبدو القيادة السورية الجديدة مصممة على كسر عزلتها الدولية واستعادة مكانتها، من خلال تحالفات مدروسة تعيد توازن العلاقات الإقليمية.
وفي حين لا تزال هذه الشراكة الناشئة في بدايتها، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت العلاقة بين دمشق وأنقرة ستتطور إلى تحالف استراتيجي طويل الأمد، أم أنها مجرد تقاطع مصالح ظرفي، تفرضه ضرورات المرحلة دون ضمانات للبقاء.
#وكالة_ثقة