تعرف على اسباب اقتحام الجيش اللبناني لمخيمات لجوء السورين
تحويل حياة اللاجئين السوريين في لبنان إلى ما يشبه الجحيم هو الهدف الذي تتجه إليه السياسة الحكومية اللبنانية والتي يدفع حزب الله نحوها، والغاية جعل العودة إلى العيش تحت سلطة الأسد أفضل من البقاء في لبنان.
لا يمكن فصل عملية اقتحام الجيش اللبناني لمخيمات اللاجئين السوريين في محيط بلدة عرسال القريبة من الحدود الشرقية مع سوريا، عن الكلام المتصاعد لقيادات حزب الله عن ضرورة التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية من أجل التنسيق لعودة اللاجئين إلى سوريا.
عرسال ومحيطها كما هو معروف يضمان أكثر من سبعين ألف لاجئ معظمهم قدموا من المقلب الآخر من الحدود أيّ منطقة القلمون السورية التي خاض فيها حزب الله أشرس المعارك ضد الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة منذ العام 2013، ونجح في السيطرة عليها بعدما تمّ تدمير معظم الحواضر والبلدات في هذه المنطقة وأشهرها مدينة القصير فضلا عن مناطق أخرى في حمص وريفها.
الجيش اللبناني قبل أيام قام من خلال قوة عسكرية باقتحام المخيم، وسط حملة إعلامية مركزة كان من الصعب خلالها تقصي المعلومات الدقيقة، ففيما تحدث الجيش في بياناته الرسمية عن عملية استباقية استهدفت مخططا جهنميا كان يجري التحضير له في هذه المخيمات ضد مناطق لبنانية، نفت أوساط قريبة من اللاجئين وجود مثل هذا المخطط وتحدثت عن عملية ترويع طالت اللاجئين في هذه المخيمات، وأدّت إلى اعتقال مئات اللاجئين بطريقة وحشية كشفت عنها بعض الصور التي جرى تسريبها خلال هذه العملية وأثرها، كما أنّ بيانات الجيش تحدثت عن خمسة انتحاريين فجروا أنفسهم خلال تنفيذ الجيش عملياته داخل المخيمات ولكن من دون أن يؤدي هذا التفجير إلى سقوط ضحايا من الجيش اللبناني، فيما جرى الحديث عن سقوط طفلة سورية قال الجيش اللبناني إنّها قضت نتيجة التفجير الانتحاري.
للمرة الأولى يمكن الحديث عن عملية عسكرية لا تلقى ردات فعل سلبية من جهات طالما انتقدت عمليات استهداف اللاجئين السوريين.
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحده انتقد استهداف الآمنين في هذه المخيمات داعيا إلى التمييز بينهم وبين المطلوبين، لكنه ما لبث بعد ساعات أن حذف تغريدته، مبررا ذلك بأنه لا يريد أن يساء فهم موقفه، وسوى ذلك خيم الصمت على الجهات السياسية المشاركة في السلطة والتي تفادت تأييد خطوة الجيش أو إدانتها.
وحده حزب الله كان يغرد ويثني على هذه الخطوة ووجه رسالة تهنئة للجيش، بعد أن سرب صورا لطلاب في المدرسة الحربية في الجيش اللبناني وهم يقومون بزيارة إلى أحد مواقعه المدنية والسياحية في مليتا، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها ضباط من الجيش اللبناني لهذا الموقع الذي تمّ إنشاؤه قبل أكثر من عشر سنوات، ولم تكن الزيارة في أصلها وفي توقيتها، مع اقتحام الجيش لمخيمات اللاجئين، إلاّ محاولة من حزب الله لإظهار الجيش اللبناني في موقع المتناغم معه، لا سيما أنّ حزب الله كان من أكثر المؤيدين لخطوة اقتحام مخيمات اللاجئين، لإدراكه أنّ هؤلاء يحملونه مسؤولية تهجيرهم إلى جانب النظام السوري، بعد أن دمرّ بلداتهم وقتل الآلاف من أبنائهم.
لذا خرج نائب أمين عام حزب الله إثر العملية ليطالب الحكومة اللبنانية بالتنسيق مع الحكومة السورية من أجل تأمين “عودة طوعية للاجئين إلى سوريا”، وهذا المطلب ليس جديدا كما هو معروف لكنّه كان مطلبا مرفوضا من قبل أكثر من نصف أعضاء الحكومة الماضية والحالية، انطلاقا من أنّ لبنان لا يريد أن يكون طرفا في الأزمة السورية ويريد أن يكون منسجما مع الموقف العربي الذي اتخذ موقفا مقاطعا لنظام الأسد في سوريا بسبب ارتكاباته ضد شعبه، وعدم نجاح حزب الله في السنوات الماضية في خلق قنوات اتصال علنية ورسمية بين الحكومتين اللبنانية والسورية، لا يمنعه من خلق الظروف الضاغطة التي تساعد بنظره على فتح هذه القنوات، ويتم ذلك من خلال قلب الحقائق، فحزب الله الذي دخل الأراضي السورية عسكريا ورغم الاعتراض الرسمي اللبناني، بدل أن يبدأ من خطوة الخروج من سوريا استجابة لشروط السيادة اللبنانية، يعمل على فرض كل الظروف الضاغطة ليس من أجل عودة السوريين إلى بلادهم بل من أجل إلزام السوريين بالعودة ضمن ما يسميه المصالحات وهي في جوهرها الإقرار من قبل اللاجئين بأنّهم يلتزمون بشروط النظام ويقبلون بشروطه، بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر الاعتقال والقتل والانتقام.
ومن جانب آخر يريد حزب الله أن يلزم الحكومة اللبنانية بالعودة إلى حصر العلاقة بالشأن السوري بالنظام نفسه، وهو في هذه المرحلة يستثمر معركة القضاء على الإرهاب الجارية من أجل تعزيز موقع الأسد في المعادلة ومن خلال مواقع تأثيره أي لبنان.
ومن المعروف أيضا أنّ فلول تنظيم داعش وتنظيم جبهة النصرة ما زالت تتواجد في بعض المناطق الحدودية من الجانب الشرقي، وهذه التنظيمات التي لا يمكن النظر إلى معنى تواجدها ونشأتها في سوريا وفي هذه المناطق على أنقاض الجيش الحر، إلا لكونها ساهمت بوعي وبغير وعي في تمدد النظام السوري وفي شيطنة اللاجئين السوريين في لبنان، وكانت أداة طيعة في توفير الحجج والذرائع لنظام الأسد وحلفائه في كثير من محطات الحرب على هذه الحدود. بل يمكن القول إنّ نشأة هذه التنظيمات تمت إلى حد بعيد بدعم من نظام الأسد وحلفائه ضمن الاستراتيجية التي لا تزال مستمرة والقائمة على أن تغطية فظائع نظام الأسد ضد شعبه لا يمكن أن تتم إلا بمحاولة خلق تنظيمات تحترف القتل وقابلة للشيطنة.
لبنان في المرحلة المقبلة يجري تحضيره بوسائل شتى إعلامية وسياسية واجتماعية ومخابراتية لمواجهة مع اللاجئين، ويتم ذلك من خلال تضخيم آثار وجود اللاجئين على البلد، من خلال شيطنة هذا الوجود على الكيان اللبناني، وعبر بث الشائعات وتضخيم أحداث معينة ولصقها بالوجود السوري في لبنان، ومحاولة تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمات اللبنانية الاقتصادية والمالية والبطالة، وهو سلوك خبيث من قبل السلطة للتغطية على فسادها وتقصيرها، وللتغطية أيضا على الارتكاب الاستراتيجي المتمثل بتدخل حزب الله في سوريا والذي ساهم في تعميق الشرخ النفسي والاجتماعي بين فئة كبيرة من السوريين وفئة كبيرة من اللبنانيين، ويحاول حزب الله اليوم أن يجعله شرخا لبنانيا سوريا لغاية توريط اللبنانيين في هذا العداء الذي صنعه بالأساس تدخله الفج في الأزمة السورية.
تحويل حياة اللاجئين السوريين في لبنان إلى ما يشبه الجحيم هو الهدف الذي تتجه إليه السياسة اللبنانية والتي يدفع حزب الله نحوها، والغاية منه جعل العودة إلى العيش تحت سلطة نظام الأسد أفضل من البقاء في لبنان، فالمعادلة هي ذاتها إمّا داعش وإما الأسد، وفي لبنان إمّا البؤس والاعتقال أو العودة إلى الأسد. فبعد يومين على اقتحام مخيمات عرسال، احترقت مئات الخيام التي تقيم فيها عائلات سورية في البقاع الأوسط، ومن دون أن تعرف الأسباب إلا أن ذلك يصب في خيار الدفع باتجاه جعل الحياة صعبة إن لم تكن مستحيلة للاجئين السوريين في لبنان، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحوادث التي تطال اللاجئين تتم في مناطق تشكل بيئة حاضنة لهم، وهذا أمر ليس بريئا باعتبار أن الشرخ لم يعد بين بيئة حزب الله والسوريين، بل أيضا في بيئات معروفة بانحيازها إلى تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري.