العقل العربي ونظرية المؤامرة
العقل العربي ونظرية المؤامرة
ماجد عبد النور
عرّف العرب “المؤامرة” في لغتهم بأنها مكيدة للقيام بعمل معاد إزاء حكم أو بلد ما، يدبره أشخاص خفيةً ضد مؤسسة أو أمن دولة ،
وكعادة بعض علماء الإجتماع يغوصون في تفسير الظواهر ويجدون لكل ظاهرة مجالاً للدراسة ويبحرون فيما وجدوا فتحولت ظاهرة المؤامرة في أبحاثهم إلى نظرية
هذه النظرية التي تُشعرك بأن كل مايجري حولك من أحداث ستنعكس عليك ويصيبك تأثيرها فيسرح بك الخيال أكثر فأكثر فترى نفسك أنك أنت المستهدف، ثم تعيش في عالم مختلف يصل بك الحد إلى أن تعتبر حتى مشاكلك العائلية هي محض مؤامرة .
هذا المرض البشري عاشته معظم المجتمعات قديماً بفعل الدعاية وصناعة الوهم على أيدي السياسيين الذي اعتاشوا واقتاتوا وحكموا واستبدوا بنشرهم المتعمد لهذا المرض في ثنايا المجتمع .
اليوم غالب تلك المجتمعات المتطورة قد تلاشى عندها هذا المرض أو بتسمية أخرى هذا “المفهوم” بشكل شبه كامل نتيجة لماوصلت إليه الأنظمة السياسية في تلك البلدان من حريات ومواطنة وقانون وعدالة
تبعها صحوة مجتمعية كرست مكانها دراسة الظواهر والحقائق التي يقبلها العقل والمنطق ووصلت إلى ماوصلت إليه اليوم من تقدم وحضارة، بينما بقيت الشعوب العربية وبعض الشعوب التي تُشبهها رهينة نظرية المؤامرة الخرافية التي زاد نشاطها وتفاعلها بعد ثورات الربيع فتكشفت الشعوب العربية على حقيقتها المرّة وبانت عوراتها بشكل لم تعهده من قبل
وإذا ما غصنا قليلاً في بعض النماذج العربية وجمعنا تصريحات السياسيين ومؤيديهم ومثقفيهم وكم مرّة أُطلق مصطلح المؤامرة ونظرية المؤامرة وكم أُفردت لها حلقات متلفزة وضيوف يحملون أعلى الشهادات الدراسية وكتابات ونشرات وغيرها من وسائل الدعاية لربما لن تتسع المجلدات لذكرها أو إحصائها
ففي مصر مثالاً عندما خرجت جموع الملايين بما لايخفى على أحد ولايُنكره عاقل ولايشك بصحة تلك الأعداد الغفيرة إلا من يُكابر رافعين شعارات المؤامرة مطالبين بحرق وسحق معارضيهم المنادين بالحرية ممجدين بالدكتاتورية ومطالبين بإصرار لإعادة حكم العسكر والحذاء العسكري
وفي العراق لايختلف المشهد فمئات الآلاف من العراقيين من أبناء العراق وممن شربوا من مياهه وأكلوا من نخيله هم من يقتل إخوانه على الهوية ويحرقهم وينكل بهم ويسومهم سوء العذاب
وغير بعيد عن العراق ففي سوريا وقف الآلاف في صف السفاح الأسد وتبنوا رواية المؤامرة عن عقيدة من كافة شرائح المجتمع ولعل القسم الأكبر منهم ممن يُحسبون على المثقفين قد رقصوا على أنغام البراميل المتفجرة وسخروا من ضحايا الكيماوي وصفقوا لكل غازٍ ومحتلٍ
تلك نماذج بسيطة مما يشهده الشارع العربي ككل من محيطه إلى خليجه ممن تبنوا نظرية المؤامرة عن عقيدة أو لمصلحة ووقفوا إلى صف الطغاة بكل شراسة وصفقوا لقتل معارضيهم بكل صفاقة ، تلك الجموع المجرمة ليست بغريبة عن أوطانها وليست مدفوعة من جهات خارجية كما يصورها البعض، إنما هي من أبناء أوطانها ومن تاريخ بلادها وإنما يمارسون أفعالهم عن رضاً وقناعة
تلك الجموع لم يخطر في بالها أن تسأل نفسها يوماً أين المؤامرة بعدما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم وأين من يتآمر !
ومَن ذاك الأخرق الذي سيتآمر عليكم بوجود أناس يحملون أفكاركم في هذه البلاد ومَن تلك الدولة الحمقاء التي ستضيع من وقتها الثمين في سباق التكنلوجيا وثورة الإلكترونيات لتتآمر على هذه الشعوب المضحكة أمثالكم ، من لديه الفراغ ليتآمر على بقايا بشر هم بالأساس عالة على هذا الكوكب ! إننا في أزمة وعي خانقة بلغت قاع القاع ذاته وانحدرت إلى أدنى مستويات الجهالة وإن صحَّ أن هناك مؤامرة فلن تكون خارج نطاق عقولكم الهاربة من الحاضر و التاريخ .