التخادم الاستراتيجي الإسرائيلي الإيراني في المنطقة العربية
التخادم الاستراتيجي الإسرائيلي الإيراني في المنطقة العربية
الكاتب الصحفي: صالح العبدالله
على الرغم من الصراع الإسرائيلي الإيراني الواضح للعلن إلا أنه لا يتعدى الحرب الكلامية، وإن حدث تحرك عسكري لا يتعدى الدغدغة خارج حدود الطرفين، وفي حدود التنافس والتخادم الاستراتيجي بينهما، وما يجري من أحداث وتصريحات وشعارات، تدلل على ذلك.
لابدّ من عودة للتاريخ للتذكير بأن إيران من أوائل الدولة التي اعترفت بدولة إسرائيل عند إعلانها عام 1948م، ثم تقاطعت المصالح بين إسرائيل وإيران بشكل واضح خلال الحرب العراقية الإيرانية، لتعود وتتدهور علنا بعهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد.
ولعل أبرز ما فضح التقارب الإسرائيلي الإيراني اتفاقية “إيران غيت” أو “إيران كونترا”، وهي اتفاقية بعهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، حيث انتدب مساعده أنذاك جورج بوش الأب إلى باريس لإبرام الصفقة وهي تزويد إيران بالأسلحة خلال الحرب الإيرانية العراقية، وحضر عن الجانب الإيراني حينها، رئيس الوزراء “أبو الحسن بني صدر”، بحضور “آري بن ميناشيا” مندوب المخابرات الإسرائيلية الخارجية “موساد”، والذي كان الوسيط بين الطرفين لإتمام الصفقة بالنظر للتقارب السري بين إيران وإسرائيل.
مما تقدم يتبين أن علاقات عميقة بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، ولا وجود لمبرر منطقي أو تعارض مصلحي بينهما، ومن المنطقي أيضا القول إن من مصلحتهما التخادم في سبيل السيطرة على المنطقة العربية، خاصة أن إسرائيل منذ إنشائها، تسعى بالدرجة الأولى لتثبيت أقدامها كدولة وأحقيتها في المنطقة تاريخيا ودينيا، ومن ثم التوسع، وعلى الرغم من تقوية الغرب لإيران بتثبيت حكم الملالي حماية لإسرائيل، إلا أن الهدف الإيراني بالسيطرة على المنطقة العربية، تحت غطاء ديني واضح أيضا، ما يعني وجود تنافس بين الجانبين، لكنه يبقى في حدود الاتفاق بينهما ولا يتعداه.
إيران تسللت إلى المنطقة العربية بستار ديني بزرع ميليشيات تتبع لها في لبنان، وأبرزها ميليشيا حزب الله اللبناني، وعملت على تسليحه بحجة محاربة إسرائيل وهو ما يستهوي الشعوب العربية التي ترى في إسرائيل مغتصبا لفلسطين، بالتالي كان من السهل تسليح الحزب، وخوضه لمعارك ضد إسرائيل وجد تفاعلا مع ميليشيات إيران أي “حزب الله”.
وجه التشابه بين إسرائيل وإيران هو وحدة الهدف، إذ أن الجانبين يسعيان للسيطرة على المنطقة العربية بأحقية دينية، وهما يتبعان نفس الأسلوب في سبيل تحقيق الهدف، وهو نظرية الإخلاء والحلول والتركيع، أي إخلاء المنطقة من سكانها وحلول سكان من نفس طينتهما مكان سكان المنطقة الأصليين، والتركيع من خلال القهر بالقتل والتدمير، وذلك بتجاوز المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي ينص عليها القانون الدولي.
ومن أوجه التشابه بينهما أيضا عدم وجود مطالب واضحة ومحددة، إنما عداء لسكان المنطقة العربية لمجرد العداء يخفي وراءه هدف السيطرة على المنطقة، إذ أن كل المعارك ومحاولات التقدم من إيران أو من إسرائيل بلا أسباب، كما حصل في غزة مرارا وتكرارا من جانب إسرائيل، وكذلك الحال بالنسبة لإيران في سوريا واليمن والعراق.
في ظل ما تقدّم من التأكيد على وجود تعاون واتفاق عميق بين إسرائيل وإيران في المنطقة العربية، يولد سؤال يعتبره البعض تفنيدا لوجود تعاون بينهما، وهو الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا وأحيانا في لبنان.
الإجابة على هذا السؤال تتضح من خلال الفهم العميق للعلاقة بين إيران وإسرائيل، أنها علاقة تخادم أي يقدم كل طرف خدمة للآخر يمكن وصفها أحيانا بالتعاون، وعلاقة تنافس إذ أن الطرفين يشتركان بوحدة الهدف، أي يتعاون الطرفان في سبيل تحقيق نفس الهدف لكنهما يتنافسان كي لا يتفوق أحدهما على الآخر.
ولعل الغارات الإسرائيلية تأتي في هذا السياق، والتي تهدف للحؤول دون وصول صواريخ بعيدة المدى لحزب الله، ربما تشكل هذه الصواريخ خطرا في المستقبل على إسرائيل، إذا ما انقلبت إيران على التفاهمات.
بعبارة أخرى أن إسرائيل تسعى لتقليم أظافر إيران عندما تشعر أنها طالت بحيث يمكن أن تشكل خطرا في المستقبل، ما يدلل على ذلك أن الغارات الإسرائيلية لا توقع إلا خسائر مادية، وأحيانا شخصيات تعد منبعا للخطر.
ما يدلل على تفسير ذلك هو القبول الإسرائيلي بالتمدد الإيراني الانسيابي على حدودها جنوب سوريا، من خلال دفع الفرقة الرابعة في قوات النظام السوري والتي تتبع لإيران مباشرة عبر ماهر الأسد، إذ أن الفرقة الرابعة تسيطر على منطقة ما في الجنوب، وبعد فترة تدفع إيران بعناصر ميليشياتها لتحل مكانها على مرآى ومسمع المخابرات الإسرائيلية.
صفوة القول إن الصراع الإيراني الإسرائيلي سلاحه التصريحات والتهديدات دون الخوض بمعارك حقيقية، أو مواجهات عسكرية واضحة، إنما حرب كلامية، تجعل الطرفين بمنأى عن الخسائر، وإن حدثت شبه صدامات تكون على المسرح السوري واللبناني أحيانا، أي بعيد عن حدود منطقتيهما، وعلى عناصر من العرب وليس من الإيرانيين، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال المرحلة الماضية وتتبعه في قادم الأيام.