مآلات الوعي السياسي والتفكير النقدي.. بقلم (تالا جعور)
معاً نحو مجتمعٍ مُفكرٍ واعٍ
بقلم: تالا جعور
المقدمة
الوعي هو الإدراك والإدراك وهو تمامًا ما يميز المرءَ عن سائر المخلوقات لأنه يمتلك العقل الذي يفكر، والفكرة هي جزء من الإنسان بل هي الإنسان بحد ذاته، تخيل معي أن المرء بلا أفكار كيف ستمسي حياته بدون هدف، بدون خُطة ، وبلا أحلام .. حتى أبسط الأشياء تصعب عليه، فالفكر نهج والنهج درب يسلكه المرء وبدون طريق معين يسير الإنسان كتائه في صحراء بلا هُدًى. فالفكر هو الإنسان والوعي هو مقدرة تكوين هذه الأفكار وترتيبها بشكل صَحيح..
الوعي السياسي وأهميته في المرحلة المُقْبِلَة
”الوعي” هو الَّذي يميز الإنسان عن غيره من الكَائِنَات. وأما “الوعي السياسي” فهو قدرة الفرد على الفهم العميق لما يجري حوله وَحَولَ العَالمِ من تغيرات ومجريات على الصَعيدِ اَلسِياسِيِّ وَالاقْتِصادي، وقَضايا البُلدَان. وهو يشِيرُ إلى فكرة المرء الذي يتمتع بوعي ذاتي.. ولكن ظهر خط آخر من البحث السياسي الذي يتناول الوعي من حيث الحالة الذهنية السياسية للمرء. ويرى ماركس أن الوعي يصف إحساس المرء بنفسه سياسيًا. ويعني ذلك أنه يصف وعي المرء بالسياسة. وهو يرى أيضًا أن الوعي السليم مرتبط بفهم موقف المرء الحقيقي من التاريخ¹.
ونَمرُّ الآن في سوريا بمرحلة مَخاضٍ طَوِيلٍ ولا بُد بعد هذهِ الصَرخاتِ المؤلمة مِن ولادة سياسية جَيدة. وعلى جميعِ أَفراد المجتمع أن يمتلكوا سلاح الوعي الكافي الذي يؤهلهم ليكُونُوا أقوياء فَعالين، وقادرين على الوقوف لا أن تذروهم الرياح كأوراق خريف متهاوية، وهذه الفعالية والمَقدرة تحتاج للكثير من الوعي الذي يكتسبوه عن طريق التدريبات، والمعرفة المستدامة، والقراءة بفهم، والعِلمِ الذي يرفعهم ليمسوا قادرين على الخوض في غمار السياسة، ومعرفة ما يجري من أحداث فعوز الوعي السياسي كما نعلم يجعل من الناس منقادين لا مُختَارين. والانقياد يقود للضلالة والجَهل وأي جهل لا يتم علاجه، والعَمل على اضمحلاله يتفشى فيكون على هيئة مرضٍ قَاتلٍ.
وهنا تكمن الأهمية الجوهرية للوعي السياسي في كونه الكاشف عن لثام الماورائيات، والمجيب عن كل التساؤلات، كما أنه بصيرة المرء التي يرى بها العالم بوجهه الحقيقي كاشفًا الزِيف، ومسقطًا قناع الكذب عن وجه الحقيقة. قد يتساءل البعض عن كيفية تنمية الوعي السياسي لدى المجتمع، ويكمن الحل بالعمل على عدة منحنيات: المنحى الفردي، والمنحى المجتمعي.
وأما المنحى الفردي: فهو العمل على الفرد وتمكينه ليكونَ واعٍ مُدرك وقادر على الفهم العميق للسياسة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر التدريبات السياسية التي تقوم بها المنظمات الإنسانية منها “منظمة مارس” والتي بدورها وجدت الحاجة مُلحة لتعزيز الوعي السياسي والحقوقي لجميع المواطنين والمواطنات، ونشر ثقافة الوعي السياسي والحزبي ليرسو المجتمع على بر دولة المواطنة وسيادة القانون، وعليه أطلقت “مشروع تكافؤ” ليخدم هذا الهدف ويكون وسيلة من الوسائل لتعزيز الوعي السياسي وبالتالي يتمكن الأفراد من المشاركة
بالعمل السياسي والمدني بفعالية أكبر عن طريق التدريبات منها تدريب التفكير النقدي، والمواطنة، والمشاركة الديموقراطية وغَيرُها من التدريبات التي لها الهدف عَينه. ولكن ما علاقة التفكير النقدي بالوعي السياسي؟
الوعي السياسي وارتباطه بالتَفكِير النَقْدِي
وأي وعي سياسي لا بُد من امتلاك صاحبه عقلًا مُفكرًا فالفِكر سلاح، ألا ترى كم من ثَورات أُضرمت، وحروب أُشعلت، وربيعٍ من بعد خريف بسبب فكرة وأرقى أنواع الفكر هو الفكر النقدي. والتفكير النقدي هو التحليل الموضوعيّ للحقائق لصياغة حُكم، وهو المقدرة على التحقق من اِفتراضٍ ما أو فِكرة ما ومعرفة الحقيقة من الزيف إذًا الوعي السياسي والتفكير النقدي هما وجهان لعملة ما. ففهم السياسة، والتعمق بها، وكشف الزيف، والبحث عن الحقائق يحتاجُ لِتَفكيرٍ نقدي لأنه أرقى أنواع التفكير فهو عقلاني منطقي وتأمُلي. وهو يساعد الفرد على تغليب التفكير العقلاني على التفكير العاطفي وبالتالي يساعد على تكوين قَراراتٍ سِياسيةٍ مَنطقيةٍ وَصحيْحَة. كما أنه يسهم في بناء شخصية موضوعية وفَعالة في المجتمع تتخذ من
المواطنة العقلانية شِعارًا لَها².
في حين أن التفكير النقدي يعمل على جانبٍ مُهم وهو تقبل الأفراد للتنوع المعرفي مما يخلق لنا مرونة في التعامل، كما يحرك ضمير الفَرد مما يولد عنده الحِس العالي بالمسؤولية تجاه مجتمعه، والعمل بجهد نحو عملية التغيير، وبالتالي ينشأ لديه شعورًا قويًا بالمشاركة في أنشطة التغيير على جميع المستويات بشكلٍ عام، وعلى المستوى السياسي على وجه الخُصوص.
وبالتالي يصبحُ التفكير النقدي مُلازِمًا لإعادة السلام بين الدول وبين مناطق النزاع، والأهم من ذلك أنه ضروري للحكم برشدٍ كما تنبع أهميته من ضروريته في الدبلوماسية، والتبادلات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
“ولو افترضنا أن السياسة لغز فبإمكاننا القول أن التفكير النقدي هو
حل هذا اللُغز”.
ضريبة غياب التفكير الناقد
حقيقة الفِكر سلاح وإطلاع العنان أمام الفكر بحرية، ولكن ضمن ضوابط أخلاقية هي ذروة التفكير الناقد، فسجن الفكر هو أشد إيلامًا وقسوة من سجن الجسد..
لأن الإنسان فكرة إن هي ماتت بات المرء رهينًا للضلالة.. متقبلًا لما هب ودب من أيدولوجيات.. سائرًا ضمن نهج القطيع.. قائلًا نعم لكل شيء..
وعدم تقويض الفكر وكسر سياسة الصمت تكشف اللثام عن كُلِّ الماورائيات.. وفي الوقت عينه تجعلنا نطرح سؤالًا بدايته: “لماذا ” و “كيف” ونهايته جوهر الحقيقة..
ويجعل حناجرنا تصدح بقول لا إن هي أرادت ذلك. إذًا غياب التفكير الناقد يؤدي للتهلكة لأنه يقود الأفراد وخاصة الشبان إلى الانقياد خلفَ كل ما يقال وكل ما يجري وبالتالي نمسي على وطن معصوب العينين مآل أبنائه التبعية العمياء، ويصبح سياقهم السياسي والفِكرِي عُرضةً للتهديد.
لا يخفى على أحدٍ أن عصرنا الآن يتسم بالتجدد وبكثرة المعلومات وضخامتها، كما يتصفُ بعصر التكنلوجيا والتي هي سلاح ذو حدين فقد حولت العَالمَ بِأَسْرِهِ لقرية صَغيرة فإذا وقعت حادثة ما تراها تنتشر كما تنتشر النار في الهَشِيم.. وهنا تكمن ذروة الخطورة في لجوء الكثير من دول العالم للحروب السيبرانية أو الرقمية والتي سلاحها نشر المعلومات الخاطئة والأفكار المسمومة والتي يصدقها الكثير من الناس الذين لا يُعْمِلُونَ فِكرَهم النَقْدِي وبالتالي يسهلُ برمجة أدمغتهم، وتحريكِهِم كأحجار الشطرنج، وهنا دور التفكير النقدي في كشف الحقائق لأنه لا يأخذ المعلومة كما هي، بل يمحصها، ويحاول تمييزها، كما يحدد دقتها، وَيتعرفَ على الادعاءات والحُجج، ويحدد مصداقية مصدر المعلومات وَبالتالي إدراك مدى صِحتِهَا.
فالحياة معركة ينتصرُ بها الحكيم، والسياسة مضمار نزال يطوق بميدالية الفَوز من سعى وطور من نفسه على صعيد فكره ووعيه.. لقد عانى المجتمع على مر فترات طويلة من قلة وعي سياسي نتيجة غياب التفكير النقدي فآل الأفراد للضياع، لا يعرفون ما يحدث حولهم، ينتظرون مصيرهم، يشغلون أدمغتهم بالطعام والشراب فقط متناسينَ أن الحل يبدأ من إرادة الشَعب والإرادة تحتاج لحكمة لينتج لدينا ردات فعل صحيحة لفهم الموقف وأي حكمة رشيدة تحتاج لفكرٍ نقدي يكون المنارة التي تكشف لقاربِ المجتمع موقع البر الآمن لدولة المواطنة والوعي ليرسو على جزيرة الحَل والخطوة التالية بحثًا عن كنزِ التغيير.