معركة مؤجلة … بين استغلال الحاجات الأمنية لتركيا ….. وإضاعة فرص اقتصادية على المعارضة
معركة مؤجلة … بين استغلال الحاجات الأمنية لتركيا ….. وإضاعة فرص اقتصادية على المعارضة
الكاتب حسن المروان
معركة مؤجلة … بين استغلال الحاجات الأمنية لتركيا ….. وإضاعة فرص اقتصادية على المعارضة
منذ عام 2016 وعند اعتزام تركيا البدء بأي عملية عسكرية داخل الحدود السورية تطال التنظيمات الإرهابية الكردية “قسد” تكون تل رفعت ومنبج وعين العرب/ كوباني من أهم لوائح الأهداف في المخططات التركية لكن سرعان ما ترتطم هذه الأهداف بوقائع التفاهُمات والتوازنات الدولية وتسقط ويسقط معها آمال آلاف الناس بحق العودة وحلم الرجوع الى مدنهم وبلداتهم…
سأتناول في هذه المقالة نقاط لا يمكن تجاهلها كمقومات ودوافع اجتماعية واقتصادية هامة بغض النظر أن الهدف الأساسي من العملية العسكرية يعزى لاعتبارات سياسية متعلقة بالأمن القومي لتركيا أكثر من كونها اقتصادية، ومن تلك النقاط …
1. أهمية ” منطقة تل رفعت -مدينة منبج ” من الناحية الاقتصادية…
2. أهمية عين العرب “كوباني” من الناحية السياسية بالنسبة لتركيا…
3. التعرف على أهم الخيارات والسيناريوهات المطروحة المتعلقة في قسد والتي ظهرت عند إعلان تركيا الأخير بافتتاح معركة عسكرية داخل الأراضي السورية…
4. معرفة أهم التهديدات والمخاطر الاقتصادية التي ستنعكس على مناطق المعارضة في حال حدوث اتفاق بين أنقرة وميلشيات الأسد أو بين قسد والنظام…
5. التعرف على أهم المكاسب (السياسية -الاقتصادية -التقنية) التي سيحصدها نظام أسد حال حصول أي اتفاق سياسي بينه وبين الأكراد أو حتى تركيا.
أولاً: أهمية منطقة تل رفعت اقتصادياً:
تل رفعت تقع على بعد 35 كم شمال مدينة حلب حيث تبلغ مساحة المخطط التنظيمي للمدينة 710 هكتارات ويبلغ عدد السكان مدينة تل رفعت 89833 نسمة حسب إحصائيات 2013.
في المدينة محطة قطارات وهي عبارة عن “خط سكة حديد دولية تجارية” تربط مدينة حلب مع تركيا
وجود العديد من الأسواق والمجمعات التجارية التي تساهم في إنتاج كافة أنواع المنتجات الأساسية وتشكّل العصب الأساسي في الاقتصاد المحلّي ، ولا تكمن أهمية السوق في جانبه الاقتصادي فحسب بل أيضاً في القيمة الثقافية والاجتماعية التي يمثلّها كلّ سوق .
كما يوجد فيها منطقة صناعية تعد من التجمعات الصناعية الهامة في الشمال السوري.
وتأتي أهميتها أيضاً لكونها تقع بجوار “الطريق التجاري الدولي” الذي يصل بين ولاية غازي عينتاب التركية ومدينة حلب.
تشتهر تل رفعت بالزراعة ومن أهم محاصيلها ( القمح والزيتون و الحمص والعدس والشعير والعنب )
سيطر تنظيم ” PKK YPG” الإرهابي عام 2016 بغطاء جوّي روسي، على مدينة تل رفعت ، وعلى أثر هذا القصف تم تهجير أكثر من 350 الف نسمة مقدرة بــ 40 قرية وبلدة محيطة بتل رفعت وكان هذا التهجير من أكبر عمليات التهجير القسري التي حصلت في سوريا حيث دفعت الغالبية العظمى من هذا الخزان البشري الهائل بالتوجه إلى الحدود التركية الشمالية والقسم الآخر منه إلى داخل الأراضي التركية مما أدى إلى العديد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية سواءً على الحدود من ( بطالة ومشاكل اجتماعية عديدة) وصولاً إلى الداخل التركي حيث أصبح ملف اللاجئين ورقة ضغط بيد المعارضة التركية للضغط على الحكومة التركية…
وبالتالي تحرير هذه المناطق سيحقق للمنطقة أهداف اجتماعية واقتصادية هامة منها:
تخفيف الضغط السكاني في المخيمات على طول الحدود التركية والتي لم تعد بمقدور المنظمات تخديم أبسط احتياجات الناس فيها (من استبدال خيمة مهترئة أو تلبية أهم سبل العيش بشكل كافي …) ومعالجة هذا العبء الذي نتج عن شح الدعم المقدم للمنظمات هو بداية المعالجة لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت بعد التهجير القسري.
عودة الأهالي يعني زيادة الإنتاج الزراعي في مناطق المعارضة بشكل عام.
ترميم وافتتاح مشاريع تجارية وصناعية وبالتالي زيادة الناتج الاقتصادي المحلي.
تأمين فرص عمل للشباب وتعويض خسائر اليد العاملة التي حدثت بعد التهجير، وتحسن على المستوى المعيشي وزيادة في دخل الأيدي العاملة.
توسيع مساحة المنطقة الآمنة التي تنادي بها تركيا وتنفيذ جزء من خطتها الرامية إلى إعادة مليون لاجئ سوري من تركيا إلى بلادهم.
أما بالنسبة لأهمية مدينة منبج اقتصادياً:
مَنْبِج مدينة في شمال شرق حلب، شمال سوريا، تقع على بعد 30 كم غرب نهر الفرات، ويبلغ عدد سكان منبج حوالي 100,000 نسمة حسب إحصائيات عام 2014.
تُعد مدينة منبج ذات أهمية كبيرة مرتبطة بأبعاد إستراتيجية اقتصادية لكونها:
مركز اقتصادي محوري ومفتاح الربط الاقتصادي بين مدينة حلب ونهر الفرات.
تمتلك مدينة منبج “محطة كهرباء” التي تعتبر إحدى المحطات الثلاثة الهامة في سوريا.
وتعتبر شريان اقتصادي هام بسبب نشاط الحركة التجارية بين مدينة حلب والمحافظات الشرقية (مثل الحسكة ودير الزور).
وجود ثروة سمكية هامة تحقق أرباح تجارية جيدة، وتوفر كميات كبيرة من الغذاء إلى جانب تأمين فرص عمل.
وتأتي أهميتها أيضاً لكونها تقع بجوار الطريق السريع M4، وهو طريق دولي تجاري يصل بين حلب والرقة واللاذقية ودير الزور الغنية بالنفط في الشرق في سوريا وصولاً إلى اليعربية على الحدود العراقية، ويسير هذا الخط بموازاة الحدود التركية، وهو طريق تجاري رئيسي يشكل رئة اقتصادية في سوريا.
أما بالنسبة لأهمية عين العرب/ كوباني:
ما إن دخلت قسد مدينة كوباني، حتى باتت تحركاتها تمثل تهديد أمني حقيقي على الأمن القومي التركي ولذلك تسعى تركيا لإخراج قسد منها…
تعد عين العرب مركز الثقل السكاني الأبرز للأكراد السوريين بل وحتى العمود الفقري للمشروع الكردي، وإنهاء قسد فيها لا يعني خسارة قسد رصيدها في الشارع الكردي كخسارة عفرين بل هي “خسارة فائقة الثمن” هي تبدد حلم تاريخي في بناء روج آفا…
((مما سبق الهدف الأول والرئيسي لتركيا هو إنهاء قسد للحفاظ على أمنها القومي، بغض النظر عن الطرق سواء بافتتاح معركة أو حتى بتنسيق سياسي وأمني مع النظام أو بتفاهمات دولية مع إيران وروسيا…))
ما أريد تسليط الضوء عليه أيضاً من كل هذا التدرج هو ما يطرح من خيارات وسيناريوهات ظهرت عند إعلان تركيا الأخير بافتتاح معركة عسكرية لتحرير مدينة منبج وعين العرب وتل رفعت:
إحتمالية إبرام اتفاق بين قسد وميليشيات الأسد في دمشق.
أو سيكون هناك اتفاق سياسي بين أنقرة وميليشيات الأسد.
أو قيام تركيا بعملية عسكرية للحفاظ على أمنها القومي وهو الاحتمال الأقوى.
أو سيتم الوصول إلى تفاهم دولي بين أنقرة والولايات المتحدة يكون فيه خيار (دمج قسد بالمعارضة) بمعنى ” القضاء على المكوّن الكردي داخل قسد والحفاظ على قسد كمكون عربي فقط” يكون قادر على الحفاظ على مكاسب أمريكا في شرق سوريا ويعد هذا الاحتمال الأضعف بين الخيارات.
من أهم التهديدات والمخاطر في حال جرى اتفاق بين الأكراد والنظام / أو بين أنقرة والنظام:
النظام سيستلم كامل آبار النفط الخاضعة لسيطرة قسد وبالتالي سيستعيد مصادر الطاقة كلها لكون مصادر الطاقة يقع جزء منها تحت سيطرة النظام والجزء الآخر تحت سيطرة قسد ولا يوجد شيء يخضع لسيطرة المعارضة، وبالتالي سينتعش النظام اقتصادياً وسيكون النفط المساهم الأول في حل غالبية أزماته الاقتصادية، وعودة تتدفق النفط يعني توفير أكثر من 2 مليار دولار سنوياً من النفط المستورد طبعاً عدا فاتورة القمح المستورد …
المناطق المحررة ستواجه حالة اختناق وسيكون (النفط ورقة ابتزاز النظام لمناطق المعارضة) أما بالارتفاع الحاد والعنيف في أسعار النفط إذا تم إدخاله لمناطق المعارضة أو أمام انقطاع كامل لتتضييق الخناق الاقتصادي والمعيشي على مناطق المعارضة…
توسيع رقعة النظام جغرافياً يعني منحه فرص جديدة في إعادة هيمنته على المناطق المتبقية…
بالإضافة إلى مكاسب تقنية: كانت الآبار قبل 2011 شبه تالفة نتيجة عدم الترميم الدوري بينما بعد استلام قسد وتتدخل الحكومة الأمريكية وخاصة بمرحلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تم ترميم غالبية آبار النفط لتحسين إنتاجيتها وهناك نوع من الخطأ أن قسد تنتج بطرق أولية بدائية …
صحيح أن كمية إنتاج النفط لاحظت انخفاض لكن لا يرجع هذا لأسباب تقنية متعلقة بأساليب استخراج النفط إنما لأسباب أخرى منها:
انسحاب 11 شركة من الشركات الأجنبية، وإلغاء ترخيص بعضها التي كانت تعمل بالقطاع النفطي في سوريا وهي موزعة على الشكل التالي:
ثلاث شركات في الاستكشاف والإنتاج: وهي “شل” البريطانية، و”بتروكندا” الكندية، و”اينا” الإيطالية.
ست شركات في مجال الانتاج : وهي “توتال” الفرنسية، والشركة الوطنية الصينية، وشركة “ساينوبك لوم” وهي صينية ايضاً، بالإضافة الى “غالف ساندز”، و “اي بي آر”، و”تاتنفت”…
إضافة إلى شركتين تعملان في مجال الاستكشاف وهما: “موريل بروم”، و “لون انيرجي”.
عدم استخراج النفط من كل الآبار الواقعة تحت سيطرة قسد نتيجة الفائض وصعوبة التصريف …
مكاسب سياسية: النظام حصل بعد تصريحات وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو على ما هو أهم من النفط بالنسبة لهم (الدعم السياسي) حتى من الممكن أن يتم بناء علاقات دبلوماسية على هذا التصريح بالإضافة إلى أن هذا التصريح سيكون داعم لفقدان حالة التوازن على طاولة المفاوضات وإنعدام فرصة الحل السياسي
وأخيراً من كل النقاط المذكورة:
لدى أمريكا العديد من الأهداف للبقاء في شرق سوريا من أهم هذه الأهداف:
الحفاظ على شرق الفرات كنقطة تمركز للقوات الأمريكية التي تنسحب من العراق.
بقاء القوات الأمريكية مشرفة على طريق طهران دمشق.
حرمان روسيا وميلشيات أسد من الزحف والوصول لهذه الآبار وهو التخوف الأهم بالنسبة للولايات المتحدة.
بين مطرقة المعركة المؤجلة والتصريحات التركية واتفاقيات وتوازنات الفاعلين، ينتظر السوريون القاطنون في مناطق المعارضة فصل الشتاء المقبل، يحُرم فيه الكثير حق التدفئة وحق العودة إلى بيوتهم ومدنهم.