نداءات استغاثة لإنقاذ القطاع الصحي شمال سوريا
يشهد القطاع الصحي في شمال غرب سوريا تراجعًا خطيرًا في ظل انخفاض التمويل الدولي، مما ينذر بحدوث كارثة إنسانية قد تطال الملايين من السكان.
ويعيش في هذه المنطقة نحو 6 ملايين نسمة، نصفهم من النازحين الذين يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الدولية لتلقي الرعاية الصحية.
ومع انخفاض التمويل بنسبة تتراوح بين 30% و50%، توقف أكثر من 60 منشأة صحية عن تقديم خدماتها بشكل كامل، من بينها 9 مستشفيات كانت تخدم قرابة مليوني نسمة.
يأتي ذلك في وقتٍ تتزايد فيه الحاجة للرعاية الطبية، خصوصًا بعد الزلزال المدمر الذي أثر بشكل كبير على البنية التحتية الصحية.
أمل ضائع
مريم الأسود، سيدة سبعينية تعيش في مخيم كللي، تعكس حجم المأساة التي تعيشها العائلات النازحة في هذه المناطق. تقول لوكالة ثقة: “فقدتُ اثنين من أبنائي في الحرب، وأعيش مع زوجي الذي فقد بصره بسبب مرض السحايا. اليوم، أصبحت عاجزة عن تأمين تكلفة دوائي لعلاج الضغط، ولا أملك المال للذهاب إلى المستشفيات الخاصة. نحن مهددون بالموت البطيء إذا توقفت المساعدات.” هذه الكلمات تلخص وضع مئات الآلاف من النازحين الذين يعتمدون بشكل كامل على المستشفيات المجانية التي باتت مهددة بالإغلاق.
من جانبه، يروي عمر القاسم، لوكالة ثقة، وهو نازح آخر ويعاني من الفشل الكلوي، كيف يسافر مرتين أسبوعيًا إلى مشفى باب الهوى لغسيل الكلى. “أعيش في مخيم يبعد 20 كيلومترًا عن المستشفى، وهو الوحيد الذي يقدم خدمة الغسيل مجانًا. إذا توقف الدعم الدولي، سنموت حتمًا. أناشد قطر وكل الدول الإسلامية والعربية أن تمد يد العون لإنقاذ حياتنا.”
أرقام وأضرار
الدكتور محمد حمرة، مدير مشفى باب الهوى التخصصي، أوضح أن المستشفى يُعد من أهم المرافق الصحية في شمال غرب سوريا، حيث يقدم خدماته لـ 1.7 مليون نسمة. ووفقًا لحمرة، يستفيد نحو 17 ألف مريض شهريًا من خدمات المستشفى، بما في ذلك 30 مريضًا يتلقون جلسات غسيل الكلى، و150 مريض أورام يتلقون العلاج الكيميائي، إضافة إلى 1200 عملية جراحية تُجرى شهريًا. ومع تقديم نحو 32 ألف خدمة طبية مجانية شهريًا، فإن انقطاع الدعم سيؤدي إلى تدهور خطير في الأوضاع الصحية.
بدوره، أشار الدكتور زهير القراط، مدير مديرية الصحة في إدلب، إلى أن الأضرار الناجمة عن الحرب، إلى جانب كارثة الزلزال، ألحقت أضرارًا جسيمة بالقطاع الصحي.
وأضاف: “أكثر من 65 منشأة صحية توقفت عن العمل منذ نيسان حتى حزيران من هذا العام. ومع نهاية أيلول، قد يصل عدد المنشآت المتوقفة إلى أكثر من 60، مما سيؤدي إلى عجز كبير في تقديم الرعاية الصحية.”
دعوات للتدخل القطري
في مواجهة هذه الكارثة المتصاعدة، تعمل مديرية الصحة والشركاء الدوليون والمحليون على إرسال وفود إلى دول الخليج العربي، وعلى رأسها قطر، لطلب الدعم، وفقاً للعديد من المصادر الطبية.
وتُعتبر قطر واحدة من الدول التي لها دور كبير في تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا منذ بداية الثورة، إلا أن الأوضاع الراهنة تتطلب دعمًا أكبر وأكثر استدامة.
ويشير الدكتور القراط إلى الفجوات الكبيرة التي ما زالت تعاني منها المنطقة، خصوصًا في ظل استمرار القصف وتدهور الأوضاع المعيشية للنازحين. ويضيف: “هناك حاجة ماسة لبناء بنية تحتية صحية حقيقية، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال دعم دولي قوي ومستدام. يجب أن يكون هناك انتقال بين مرحلة الاحتياج الإنساني الطارئ إلى مرحلة بناء نظام صحي متكامل يساهم فيه المجتمع المحلي.”
العواقب الوخيمة لتوقف الدعم
في حال استمر تراجع التمويل وعدم تدخل الدول المانحة، سيشهد القطاع الصحي في شمال سوريا انهيارًا شبه كامل. وسيكون لانقطاع الدعم عن أقسام النساء والأطفال، وبرامج اللقاح، ومراكز غسيل الكلى، وبنوك الدم، تأثيرات خطيرة على حياة السكان، خصوصًا مع الزيادة المتوقعة في انتشار الأوبئة والأمراض. إضافة إلى ذلك، سيؤدي نقص الرعاية الصحية إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء وكبار السن، وفقاً لأطباء عدّة.
ويُعتقد ان تدهور القطاع الصحي في شمال سوريا قد يؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، ما لم تتحرك الدول المانحة لتوفير الدعم المطلوب.