دور التعليم في بناء مجتمع ديمقراطي
وكالة ثقة
بقلم: إبراهيم مسلماني
يُعد التعليم مفتاح التحضر والتقدم لأي مجتمع، لذلك فإن هناك علاقة وثيقة بين التعليم والديمقراطية.
وأكّد الدين الإسلامي على أهمية العلم والتعلم في حياة الإنسان، وحثّ عليه، وبيّن قدره، كما فعل (النبي محمد صلى الله عليه وسلم) في غزوة بدر، فقبل فدية بعض أسرى بدر بتعليم عدد من صبيان المدينة الكتابة، كما جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس وحسنه شعيب الأرناؤوط ولفظه: (كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة).
كما حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمون على طلب العلم، فقال: (من سلك طريقاُ يلتمسُ فيه علماً، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنَّةِ)، وهذا الحديث يُبيّن أنّ من يخطو طريق العلم ويسلكه فإنّ الله -تعالى- ييسّر له طريقه لدخول الجنة.
ويعتبر العلم وسيلةً لكشف أسرار الكون وطريقةً إلى تنوير الحياة ورقيّها، ومن أهم طرق الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، كما يُعد التعليم مفتاح الحضارة والتقدم لازدهار أي مجتمع من المجتمعات.
إن الثروة الحقيقية تكمن فى العقول بالدرجة الأولى مهما امتلأت الأرض بالموارد الطبيعية والثروات المختلفة، فإن الإنسان يظل أهم مورد طبيعي وأعظم مصدر للثروة
إن ثروات الدول ليست بما تملكه من موارد طبيعية بقدر ما تملكه من موارد بشرية، فالمال والموارد الطبيعية ليس له قيمة دون العنصر البشري المبدع، والمبتكر الذي يعد شرطاً أساسياً لتحقيق النهضة والتنمية، هناك بلاد غنية بمواردها الطبيعية المليئة بالثروات المعدنية، ومع ذلك فهى بلاد فقيرة، في المقابل توجد بلاد فقيرة من حيث الموارد والثروات الطبيعية مع ذلك فهى غنية لأنها تملك العقول والأفكار التى قادتها الى التقدم والرقى والحضارة.
ومن أهم الأدوات التي تساهم في بناء المجتمع العلم هو “منهاج شامل” يرتبط بحياة الإنسان منذ الولادة وحتى الممات وبالمقابل الديمقراطية: (أسلوب حكم يعني تداول السلطة ومشاركة الشعب في صنع القرار)؛ لذلك لا يمكن للشعب الجاهل ممارسة السلطة والمشاركة في صناعة القرار، ويحرص الاستبداد على نشر الجهل وعدم الوعي بين أفراد المجتمع للإمساك في زمام الأمور).
وهنا تجتمع الديمقراطية والتعليم حيث توجد علاقة وثيقة بينهما، فلا يمكن الحديث عن تعليم حقيقي يساهم في بناء المجتمع بغياب الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية مع غياب تعليم حقيقي بنّاء وهادف يتسم بالجودة، ويساعد على الإبداع والابتكار.
إن بناء الديمقراطية في أي مجتمع يبدأ بإصلاح التعليم حيث أن التعليم يساعد الأفراد على تطوير مهارات التفكير الناقد، ويساعدهم على المشاركة النشطة في إتخاذ القرارات والدخول في حوارات هادفة، كما يعزّز التعليم المشاركة المدنية من خلال توفير الفرص للأفراد للمشاركة في الأنشطة السياسية والاجتماعية، ويشجع التعليم الأفراد على المشاركة في العملية الديمقراطية ويجعل أصواتهم مسموعة ويكوّن جمهوراً ناقداً واعياً.
وبناءً على ذلك فمن المهم تطوير التعليم في المجتمع حتى يتوافق مع المعايير لبناء مجتمع ديمقراطي، ولتطوير التعليم يجب التركيز على تطوير مفاهيم العملية التعليمية وعناصرها في سوريا.
إن الديكتاتور يستخدم التعليم لنشر فكره الاستبدادي، ويعمل على بناء منظومة تعليمية ضعيفة غير قادرة على بناء وعي لدى افراد الشعب، والتي تتمثل بحزب البعث الذي عمل على تعرية الشعب من حسّ المبادرة في تطويرِ وعيه العام ليتحوّلَ تدريجياً إلى قطيعٍ اجتماعي رهين التصفيق الأعمى للأقوى، وأصبحت الانتخاباتُ مجرّد عرس وطنيّ وهمي لمنتصرين يستغلُّون جهلَ أفراد الأمة، ويتصرّفون في شؤونها بمقتضى الهوى، وليس الحكمة والمصلحة العامة.
وكان انقلابُ حزب البعث بدايةَ إعلانِ تحوّلِ سورية إلى ملكيةٍ خاصة، وخلال خمسة عقودٍ من التصحر الفكري والسياسي لم يعد هناك ما يسمى مواطنين سوريين، بل مرؤوسين ورعايا عبر تألية شخصية “الحاكم المستبدّ” التي استخدمتْ مزيجاً من المشهديّة والبلاغة وطقوس الطاعة.
وفي الحقيقةِ هذا المزيج السحري لم يمنحِ الرئيسَ شرعية مُستحقّة، لكنّ قدرةَ النظام على إرغام الناس على التصرّف وكأنهم يؤمنون به، ولّدت في ذاتها هالةً من السلطة المُطلقة، والقوّة التي لا تُقهَر.
ولم يكُن رأس النظام قائداً لمجتمعه ونظامه فحسب، بل كان وسيلةً لإقناع الناس بما ينبغي الاقتناع به عبر ألقابٍ نشرها تحت صوره المنتشرة في كلّ أرجاء سورية، يصنع حقائق ويُلزم الجميع بتصديقها، ومن خلال سياسة العبادة والتقديس هدف النظامُ إلى محاصرةِ المواطنين، ونزع الروابط في ما بينهم، وتفتيتهم إلى وحداتٍ هشّة لا علاقات حقيقية بينها، ناهيك أن التعليم في سورية تأثر بسبب الظروف الجائرة للحرب، وكان للنظام الدور الأكبر في هدم التعليم ومؤسساته، وذلك عن طريق قصفه للمدارس في وقت الدوام الرسمي على مدار اثني عشر عاماً، وهنا نذكر واحدة من هذه المجازر مجزرة الأقلام في بلدة حاس الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، وبالإضافةللنزوح وتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة كل ذلك أدى لتراجع التعليم.
أمّا بالنسبة للمنهاج الدراسي كان له الدور الأكبر في إبعاد الشعب عن ممارسة الديمقراطية في سوريا، والذي اعتمد على الأسلوب السردي القديم الذي يوجب على الطالب حفظ عدد كبير من الصفحات، ويوجب على لمعلم بذل الكثير من الجهد والتعب وتلقين الطالب العدد الكبير من الدروس التي توجب عليه إنهاءها بغض النظر عن نوعية هذه الدروس والجدوى من تعلمها. وتقع المسؤولية الكبرى في نجاح العملية التعليمية على عاتق المعلم مع غياب الدورات التأهيلية التي تساعدهم على تطبيق الأساليب التربوية الحديثة، وعدم توفير الوسائل التعليمية التي تساعد على جذب الطلاب وتنمية مهارات التفكير العليا عندهم بالإضافة إلى الأجور المتدنية والمصاعب التي تواجه المعلم في ظل الأوضاع الراهنة، وغياب المدرسين المختصّين والنقص في الكوادر التعليمية، وبالإضافة إلى قلة المدارس والتي ما زالت تعمل ضمن إمكانيات ضيقة محدودة حيث أثّر وجود المدارس الخاصة بشكل سلبي على العملية التعليمية، حيث توجه الكثير من المعلمين المختصّين إليها مع عدم قدرة جميع الناس على تسجيل أطفالهم فيها بسبب الظروف المادية والأوضاع الاقتصادية السيئة، كذلك فإن للإدارة المدرسية دوراً كبيراً بتنظيم العملية التعليمية من خلال إدارة رشيدة لا تقل أهمية عن ضبط المنهاج والارتقاء بمستوى الكادر التعليمي، وعليه إذا أردنا التقدم والتطور ومحاربة التخلف وبناء مجتمع واعي ديمقراطي يجب أن نبدأ بمراجعة الأنظمة التعليمية وجعل حق الفرد في التعليم هو أهم أهداف المجتمع العليا. وذلك لبناء المجتمع الديمقراطي السليم لأن التعليم والمعلم همامن يصنعان الديمقراطية ويعزّز التعليم ثقافة مقاومة الاستبداد والحكم المطلق لأن تقدم الأمم رهن بوضع التربية والتعليم، فتوافر منظومة معرفية ومهارية تساندها منظومة قيم إيجابية خلال التربية يمثل الهدف والمعيار الحاكم الذي يوجه سلوك الإنسان في ممارسته لحياته السياسية والاقتصادية، ويوجه سلوكياته، ويقع على عاتق النظام التعليمي جزء كبير من تلك المهمة في تحقيق وعي المتعلم ودراسة متطلباته واحتياجاته ومشكلاته المختلفة ودفعه إلى تحقيق ذاته.
والهدف من التعليم توفير المعارف الأساسية والضرورية للطلاب بهدف إعدادهم للحياة، وجعلهم يواصلون التعليم والدراسة باستمرار مع ثورة المعلومات التي نعيشها، كما يهدف إلى تأهليهم بالمهارات والحرف المعينة كي يساهموا في بناء المجتمع، وتغييره إلى الأفضل، ويبقي من المهم توفير مقومات التعليم من مبانٍ وبيئة صالحة ومعلمين وطلاب ومناهج حديثة، فلابد من تأهيل المعلم باعتباره حجر الزاوية في التعليم لمساعدة الطلاب في شق طريقهم إلى المستقل مع تدفق المعلومات عبر الوسائط المختفة، واستقراره في المعيشة والسكن، والمنهج الشامل الذي يربط بين التعليم الذهني واليدوي، والمرتبط بأهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والملائم لتنوع سوريا الثقافي والديني والعرقي واللغوي والجغرافي، ويغرس في الطلاب روح البحث والتفكير الناقد، إضافة للنشاط المدرسي المكمل للعملية التعليمية.
إضافة للقيم والمثل التي يجب أن ترسخها المناهج مثل: “حب الوطن، التواضع، نبذ العنصرية الأمانة، وحماية البيئة، وحب المعرفة والتعلم باستمرار، واحترام الحقوق والحريات الأساسية، والتسامح واحترام والمعتقدات والرأي الآخر.
إبراهيم المسلماني – برنامج واثقون من قدرتنا على التغيير