ماذا لو قامت روسيا بإبرام اتفاق ما؟ كيف يمكن إنهاء حرب لا يستطيع أي طرف أن ينتصر فيها؟
ماذا لو قامت روسيا بإبرام اتفاق ما؟
كيف يمكن إنهاء حرب لا يستطيع أي طرف أن ينتصر فيها؟
بقلم: ليانا فيكس و مايكل كيماج
تُعتبر الحربان العالميتان في القرن العشرين مصدرًا غير محدود للسوابق والنماذج؛ فالفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية قدمت لنا نموذج (ميونيخ)، في إشارة إلى القرار البريطاني الفرنسي سنة ،1939 والذي سمح لألمانيا النازية بضمِّ جزء من تشيكوسلوفاكيا. وأصبحت كلمة “ميونخ” بديلًا عن كلمة “استرضاء”.
في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية برز نموذج (نورمبرغ)، في إشارة لمحاكمة من بقي من رموز النظام النازي المهزوم، وصارت كلمة (نورمبرغ) تدلُّ على “الاستسلام غير المشروط”.
على العكس من ذلك، لم تكن نهاية الحرب العالمية الأولى واضحة ومكتملة؛ فلم تسقط (برلين) في تشرين الثاني 1018، وبدلًا من ذلك حُلَّت الحكومة الألمانية التي أعلنت الحرب، ونُفي القيصر (غليوم) الثاني.
ومهَّدت شروط الاستسلام القاسية، من تجريم ألمانيا وإجبارها على دفع التعويضات، لظهور (أدولف هتلر) واندلاع الحرب العالمية الثانية.
وهذا هو نموذج (فرساي)، اختصار يدلُّ على “اتفاق سلام يفضي إلى الحرب”.
السؤال المطروح الآن هو: كيف ستنتهي أول حرب كبرى في أوروبا في القرن الحادي والعشرين؟ يقول (شيشرون)، السياسي والكاتب الروماني، بأن “السلام الجائر أفضل من الحرب العادلة”، وهذه المقولة ستكون محل اختبار في المفاوضات الجارية بين أوكرانيا وروسيا.
نجحت المقاومة الأوكرانية الشجاعة في إعاقة التقدم الروسي.
تصرَّف الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) باندفاع من خلال إصداره الأمر بغزو أوكرانيا، وإذا كان يفكِّر بطريقة إستراتيجية الآن فإنَّه سيعمل على الحدِّ من خسائره، والبحث عن طريقة لإنهاء الحرب.
أهدافه السياسية صارت بعيدة المنال فعلًا، فهو لا يستطيع السيطرة على أوكرانيا، وسيلاقي المصاعب من أجل تقسيم بلد يعارض الاحتلال الروسي. فليس أمام (موسكو) سوى مسار عسكري محظور وباهظ الثمن، الأمر الذي سيفرض على نظام (بوتين)، إلى جانب العقوبات، أعباء كبيرة. لكن مهما جرى في أوكرانيا، فستظل روسيا قوة نووية ، وستبقى محتفظة بأكبر جيش تقليدي في أوروبا.
لقد دافعت أوكرانيا عن نفسها بضراوة ، لكن لا يُمكنها قلب الهيمنة العسكرية الشاملة لروسيا، ولا إيقاف القصف البري والجوي على المدنيين والأهداف العسكرية. وستكون الموازنة الدبلوماسية لأوكرانيا – بين المحافظة على سيادتها وإنهاء حرب وحشية – أمرًا غاية في الصعوبة.
ستعزز أسلحة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الموقف التفاوضي لأوكرانيا، لكن بدون مشاركتهم المباشرة في الحرب، وهو ما لن يحدث، فلن تحقِّق أوكرانيا نصرًا واضحًا، ولن تعاني روسيا من هزيمة صريحة.
سيتعين على كل من أوكرانيا وروسيا، في حال التوصل إلى صفقة تفاوضية، تسوية المكاسب الجزئية الهشَّة، ولن تكون في هذه الحرب (ميونيخ)، ولا (نورمبرغ)، ولا (فرساي).
يقدم التاريخ الحديث نموذجًا آخر، وهو غير مشجع أبدًا لأطرافه: إنَّه نموذج (مينسك)، والذي يشير إلى الاتفاقيات التي تمَّ التفاوض عليها في تلك المدينة البيلاروسية في عامي 2014 و 2015 لإنهاء القتال بين أوكرانيا والانفصاليين المدعومين من روسيا، والذي كان بمثابة مقدِّمة للحرب الحالية.
لقد أثبت غزو (بوتين) الشامل لأوكرانيا عدم كفاية اتفاقيات (مينسك)، والتي مثَّلت شكلاً مِن أشكال إدارة الأزمات أثار حفيظة الجميع، ولم يُرضِ أحدًا، ممَّا أدَّى إلى إرجاء مشاكل أوكرانيا الأساسية، وربما تفاقمها.
لا تُعتبر الولايات المتحدة وأوروبا في حالة حرب مع روسيا، ولا يمكنهم تطبيق نماذج (نورمبرغ) أو (فرساي) على هذا الصراع الأوروبي تحديدًا؛ وبالتالي تصبح مهمَّتُهم التوصل إلى ما هو أفضل مِن (مينسك).
تُشكِّل العقوبات الغربية على روسيا والمساعدات العسكرية لأوكرانيا نفوذًا حقيقيًا، وعلى واشنطن وحلفائها الأوروبيين استخدام هذا النفوذ، وتوسيعه، بما يتناسب مع انتهاكات روسيا المستمرة للسيادة الأوكرانية.
لا يمكن للتحالف القائم عبر الأطلسي أن يُملي على بوتين شيئاً، ولا يقدر إلا على تقديم المساعدة إلى أوكرانيا لشقِّ طريقها نحو سلام غير مُرضٍ على الأرجح. يجب أن يكون هذا الواقع المتواضع نقطة البداية للسياسة والدبلوماسية.
المصدر: مجلة فورين بوليسي