انتهاكات إيران الاحتلالية في حلب
بقلم: أحمد مظهر سعدو
وكالة ثقة – خاص
يُجمع العالم العربي والإسلامي، ومعه الدول الإقليمية المحيطة، أن إيران عبر تدخلها الاحتلالي الكولونيال في الجغرافيا السورية، ومنذ انظلاق ثورة الحرية والكرامة عام 2011، جاء من منطلق مصلحي نفعي براغماتي، يتكيء إلى مقولة (آية الله خميني) بتصدير الثورة الإسلامية الخمينية وإعادة إحياء المشروع الفارسي المتمدد في المنطقة المجاورة، وأن هذا المشروع الذي خبى عبر عقود طويلة، عاد ليتم إحياؤه من خلال ادعاءات الثورة الإسلامية الخمينية، وصولًا إلى تحقيق الهيمنة على المنطقة بأكملها، وإعادة بناء أطماع فارسية تريد إحياء امبراطورية (كسرى أنو شروان) المنقرضة، والمنتهية أصلًا على أيدي العرب المسلمين، يوم دخلت جيوش الفتح الإسلامي إلى تلك البللاد، وأقامت الدولة الحضارية الكبرى.
ولا يبدو اليوم ومع كل ماجرى ويجري داحل جغرافية إيران السياسية عبر ثورة الشعوب الكبرى التي اقترب عمرها من شهرين وهي تتصاعد يومًا إثر يوم، لايبدو أن تصدير الثورة والتمدد خارج حدود إيران والأطماع التي مازالت، يمكن أن تتراجع بالمنظور القريب، إلا إذا استطاعت ثورة الشعوب في إيران الإجهاز على دولة الملالي وإقامة دولة أو مجموعة دول بعد تشظي إيران وتذررها، ومن ثم إعادة رسم علاقات موضوعية وسلمية مع الجوار العربي والإسلامي، وهي مسألة يراهن عليها كل من يراقب الوضع في إيران. ويأمل بانهيار دولة ولاية الفقيه.
لأن السياسات الإيرانية داخل سورية مابرحت تعيد إنتاج نفسها، وتهيمن على مفاصل الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية، وخاصة في بعض الأماكن المهمة كمدينة حلب التي اشتغل الإيرانيون وميليشياتهم الطائفية على الهيمنة الكلية فيها على مفاصل المجتمع والاقتصاد عبر الهيمنة الطغيانية الطاغوتية على كل مافي حلب، منذ أن دخلوها إبان خروج المعارضة منها عام 2016.
ويتم انتهاك كل شيء في حلب من قبل هذه الهيمنة الإيرانية وربط المفاصل الأساسية فيها بسياسات خامنئي وأطماعه، وهو يدرك أهمية حلب التاريخية وموقعها الأكثر أهمية ضمن الواقع السياسي والجغرافي والاقتصادي في سورية. هذه الانتهاكات تأتي عبر السيطرة على المزارات الدينية أو إعادة إحيائها، وتجيير كل شيء لصالح السياسة الإيرانية الطائفية هناك، أو عبر الربط الأمني، والهيمنة على مجمل الميليشيات، حتى تلك التابعة للنظام السوري ولجيشه الأسدي.
وتجدر الإشارة إلى أنه ومنذ أن غادر الناس من الأحياء الشرقية لمدينة حلب، باتجاه مناطق المعارضة، حيث تركوا خلفهم منازلهم وممتلكاتهم، جاءت الميليشيات الإيرانية وسيطرت عليها وهي التي سبق وشاركت بالحرب الهمجية مع النظام الأسدي ضد فصائل المعارضة في شرق المدينة، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق مغادرة المعارضين.
بدأ تمدد الميليشيات الإيرانية عبر الأحياء الشرقية لحلب، هذه الميليشيات المدعومة جميعها من قبل مايسمى “الحرس الثوري” الإيراني، إلى كل أحياء المدينة الكبرى. والواقع أن تفوقها العسكري وتبعية النظام السوري وأدواته لها جعلها تملك جل الكلمة العليا والقرار السياسي والعسكري في حلب، حيث تمكنت من التحكم بمعظم أنحاء المدينة على كل المستويات العسكرية والاقتصادية والأمنية. حتى أضحت جميع قوات النظام السوري المجرم وكل مديرياته الخدمية، وكذلك أفرعه الأمنية، تأخذ أوامرها من الإيرانيين وحرسهم الثوري.
لابد من الإشارة إلى أن الأوضاع الأمنية تتدهور في حلب، نتيجة تغول الإيرانيين على المفاصل جميعها، فالسرقات وعمليات الخطف وأيضًا القتل أصبحت تعم الواقع في حلب بشكل لم يسبق له مثيل، وكل ذلك برعاية وإشراف من قبل ميليشيات إيران، ويعتبر المراقبون أن(غالبية مرتكبي الجرائم من المرتبطين بالميليشيات). وكذلك فقد ( بات المدنيون يشعرون بأن تلك الميليشيات تعمد إلى خلق الفوضى، لكي يتم فرز المحسوبين على الميليشيات أو المنتسبين إليها عن الحياديين الذين تطاولهم حالات التجاوز والانتهاكات ربما بشكل متعمد.).
وقد بات اليوم الشغل الشاغل لتلك الميليشيات في حلب هو السيطرة على المدنيين وليس فقط العسكريين، من خلال الترغيب بالتشيع الإيراني أو إجبار الناس عليه، بالترهيب تارة أخرى. ويؤكد المتابعون أن كل(الوسائل التي تستخدمها الميليشيات الإيرانية، من زعزعة الأمن في المدينة والتسلط على الضعفاء وغيرها من الأساليب، تصب باتجاه تحقيق هذا الهدف، وسط مساعدة من قبل النظام، إذ تتعاون مديرية الأوقاف في حلب مع الإيرانيين أو وكلائهم هناك، حتى باتوا يحددون مواضيع خطب الجمعة في المساجد.).
كما يحاول الإيرانيون أن ينقبوا في التاريخ المفترض والمزور، للبحث عن مزاعم تسمح لهم بإنشاء (المراقد والمزارات) في مدينة حلب. حيث ادعوا أنهم تمكنوا من إعادة ما يُسمى ـ”صخرة النقطة” إلى مطرحها السابق في مسجد في حلب يحمل اسم “النقطة” وهو يقع في حي الإذاعة ضمن مدينة حلب. وكانت قد ذكرت وكالة “مهر” الإيرانية أن(الاحتفال، الذي حضره إيرانيون وشخصيات من النظام السوري مرتبطة بطهران، حمل شعار “بالولادة عودة”) وقد زعم الايرانيون أن هذه الصخرة فُقدت منذ ثمانية أعوام عندما كان الجيش السوري الحر يسيطر هناك. كما زعموا كذلك أن القائمين على المسجد أخفوا هذه “الصخرة” قبل أن يدعوا ظهورها وتُعاد إلى مكانها المدعى. ويقوم الإيرانيون بالترويج إلى أن هناك نقطة من دم الحسين بن علي، سقطت على هذه الصخرة التي نُقلت بعد ذلك إلى حلب، بينما يشكك أهالي حلب جميعًا بهذه الرواية، والواقع أن الإيرانيين وجدوا بهذه المزاعم ذريعة لخلق مزار للشيعة في مدينة حلب، في سياق المشروع الذي يعملون عليه منذ عقود لإحداث اختراق كبير داخل المجتمع المتماسك في مدينة حلب.
والحقيقة أيضًا أن النظام السوري اعتمد على بعض شخصيات موالية لطهران، أبرزها الدكتور محمود عكام الذي يشغل حالياً منصب المفتي في حلب، وأحمد حسون. وتبين المصادر أن معظم العلماء الحلبيين، الذين حاولوا الوقوف في وجه هذا المد المنظم، “غُيّبوا في سجون النظام”، وقد جند الإيرانيون عدة شخصيات من بلدتي نبّل والزهراء في ريف حلب الشمالي لخدمة مشروع نشر التشيّع في حلب.
ولابد من التاكيد على أن “الحرس الثوري” الإيراني بدأ منذ عام 2012 بتشكيل ميليشيات طائفية في مدينة حلب، من باكستان وأفغانستان إضافة إلى ميليشيات محلية. ومع خروج فصائل المعارضة السورية من أحياء حلب الشرقية في نهاية 2016، وضع الإيرانيون يدهم على هذه الأحياء الفقيرة عبر ميليشيات منها “لواء الباقر”، و”حزب الله السوري”. وتؤكد المصادر أن أفراد هذه الميليشيات سيطروا على معظم منازل هذه الأحياءالحلبية.
المليشيات الإيرانية أو التابعة لإيران تقتل كل حلبي لا يتعاون معها، والإيرانيين أنشأوا الكثير من الشركات من أجل الهيمنة على الاقتصاد في حل . هذه الشركات تقوم بشراء العقارات في كل أحياء حلب القديمة والحديثة، وفي الأسواق التاريخية، ونقلوا ملكيتها لإيرانيين تم منحهم النظام الجنسية السورية. والإيرانيين يحاولون التغلغل وسط الأسر الفقيرة في مدينة حلب من خلال تقديم مساعدات مادية وعينية، في ظل ظروف معيشية سيئة، وكذلك رعاية للأيتام، وهو ما يتيح لهم جر هذه العائلات إليهم ومن ثم الولاء لإيران.
لكن مايعكر صفو الإيرانيين في حلب هو التنافس والصراع بينهم وبين الروس، حيث يجري الحديث عن تجدد الاشتباكات بين قوات روسية وأخرى إيرانية في محافظة حلب، ليبدو ما يجري محاولة تنافسية للسيطرة على المدن الرئيسية، ومفاصل التحكم والقرار داخل سورية.
وقد وقعت اشتباكات بين الطرفين في المطار الدولي الواقع شرقي المدينة، وذلك بعد أن(طالبت القوات الروسية “الحرس الثوري” الإيراني ومجموعات تابعة له بإخلاء المطار). الاشتباكات وقعت في محيط مطار حلب الدولي، وقد توقفت بعد تحليق طائرة روسية في الأجواء.
وهناك احتكاكات بين الجانبين في حلب، خاصة بعد اعتقال الشرطة العسكرية الروسية عدداً من عناصر ميليشيا “حركة النجباء” المدعومة من إيران وسط المدينة، وذلك بعد أن اعترضت مجموعة تابعة لـ “الحرس الثوري” دورية للشرطة العسكرية الروسية في جبل عزان بريف حلب الجنوبي، ومنعتها من المرور باتجاه قاعدة “السيدة رقية” وهو ما أدى إلى توتر كبير بينهما.
في النتيجة يمكن القول: إن التغول الإيراني على سورية وخاصة محافظة حلب ينتهك كل القرارات الدولية وكل الأعراف، بل يؤكد ماتريده إيران من سيطرة الفكر الاحتلالي الفارسي الذي يريد أن تبقى سورية كجزء من المناطق التابعة لإيران عبر التفكير الجيوسياسي الإيراني المتوخى للهيمنة على المنطقة برمتها.