بعد الحرب الأوكرانية.. النفوذ الإيراني في سوريا لم يتزايد!
بعد الحرب الأوكرانية.. النفوذ الإيراني في سوريا لم يتزايد!
بقلم الكاتب السوري: خالد المحمد
لستُ هنا قاصداً أن أخالف تحت هذا العنوان عشرات الدراسات والمقالات، التي أجمع كُتابها على نقيض عنواني الذي وضعته.
فكثرة هذه المقالات استدعت التدقيق في دقة وجهة النظر هذه، فلها عندي تفاصيل أخرى.
الدور الروسي في سوريا كان يكبح قليلاً النفوذ العسكري الإيراني وتغولها في سوريا لا شك بذلك، لكن اليوم وبعد الحرب الأوكرانية لم يتزايد النفوذ العسكري الإيراني في سوريا تحت ضعف من الروس، أو لانشغالهم في هذه الحرب وانسحابها من بعض المواقع، فالوجود الروسي ونفوذه في سوريا، ما كان مؤطراً على الوجود العسكري فقط، وليست قوة الروس على النظام السوري مرتبطة بتعداد قواتها على الأراضي السورية، الذي هو أساساً ليس بمستوى وتعداد الوجود الإيراني هناك.
ما يجري مما سُميَ “تزايد النفوذ الإيراني” هو برضا روسيا نفسها، وإعادة انتشار للقوات فيما بينهم، بل ربما نقول هو مكافأة لإيران على موقفها الداعم لروسيا في حربها على الأراضي الأوكرانية، وتوجيه لسعات عقابية لإسرائيل على موقفها من ذات الحرب، وظهر جلياً في توسيع نفوذ إيران على مناطق الجنوب السوري وما يثيره ذلك من حساسية لدى إسرائيل.
وإخلاء بضع مواقع عسكرية روسية وتسليمها للقوات الإيرانية ومن لف حولها، لا يُضعف أبداً النفوذ الروسي على حساب أي طرف آخر، ومن يرى هكذا أمر، يكون بعيداً عن حيثيات وتفاصيل القضية السورية وتطورها.
الوجود الإيراني الذي لا يستطيع أحد أن يخفي وراء أصبعه أنه تدخل ذو خلفيات وطابع ديني، مختلط بالأسباب السياسية والأطماع القديمة في المنطقة، والتدخل المصحوب بالنفس الديني غالباً ما يكون ذا نفس طويل ومخطط بعيد المدى، وهو ما يجعل التدخل الإيراني في كثير من المناطق ومنها سوريا يسير على نار هادئة.
من ناحية أخرى جملة ” تـزايـد الـنـفـوذ الإيراني ” تستدعي إلى الذهن من ناحـية مـنـطـقـيـة جملة ” تناقص النفوذ الإيراني “وهذا أصلاً غير دقيق قبل الحرب الأوكرانية حتى يكون قد تغيير بعد الحرب الأوكرانية”.
إيران التي تمتلك أكثر من /50/ تشكيلاً مقاتلاً (ميليشيا) في مختلف المدن والقرى السورية، ما بين ميليشيا محلية وأجنبية، من ميلشيا “أبو الفضل العباس” إلى “النجباء” إلى “عصائب أهل الحق” إلى “حزب الله” إلى “سرايا التوحيد” إلى “فاطميون” و “زينبيون” وغيرها من الميلشيات، التي تضيق السطور على تعدادها، عدا الضباط الإيرانيون الذين يشرفون على مفاصل أمنية وعسكرية وسياسية في سوريا، حتى بات مقر “البيت الزجاجي” في مطار دمشق الدولي ينافس مطار حميميم “الروسي” في نفوذه وقوته.
إيران التي باتت أيضاً تملك عقارات ومساحات واسعة في سوريا، ربما تشكل أحياء وقرىً كاملة، عدا عن المجنسين الشيعة من إيرانيين وأفغان وعراقيين موالين لإيران، وعمليات التغيير الديمغرافي التي ما عرفت توقفاً منذ بداية الثورة السورية، إلى عمليات تشييع واسعة للسكان الأصليين في حلب ودير الزور وحماة وحمص والساحل ودمشق وأريافها، ومن يستعصي عليها تتملكه بالكبتاغون، فجعلت من سوريا سوقاً ومصنعاً له.
في ذات الوقت وصل حد تغلل إيران الصامت إلى إلغاء منصب مفتي الجمهورية وتحويله إلى مجلس إفتاء يتمتع فيه الوجود الشيعي بمكانة كبيرة، وهو مالم يشهده تاريخ سوريا سابقاً.
هذا التغلغل المعلن والصامت الذي لم يتوقف ولم يتناقص عبر السنوات الماضية قبل الحرب الأوكرانية وبعدها، وبلغ إلى درجة طباعة المناهج المدرسية السورية في إيران وتحت إشرافها، والسير لفرض اللغة الفارسية كلغة ثانية في المدارس السورية.
كل هذا النفوذ والسيطرة الذي لم يتوقف يوماً، يلزمني بقول: إن الـنـفـوذ الإيـراني لم يـتـزايـد بعد الحرب الأوكرانية، لأنه باق قبلها وبعدها ويتمدد ويتزايد أساساً.