تطبيع محلي | بقلم محمد سليمان
تطبيع محلي | بقلم محمد سليمان
وكالة ثقة
انطلاقاً من إحساس النازحين واللاجئين في دول الجوار والمهجر ببؤس حالة أهليهم السوريين الخاضعين لسطوة نظام الإجرام والقابعين تحت الأحتلالين الروسي والأيراني في مناطق سيطرتهم، لوحظ في الآونة الأخيرة عودة زخم التواصل بين القاطنين في مناطق النزوح (الشمال المحرر) ودول اللجوء من جهة، ومناطق سيطرة النظام من جهة أخرى، خدمياً وتجارياً وطبياً.
ترافق ذلك مع سعي بعض الدول العربية المستبدة لتأهيل النظام وعودته إلى جامعة الدول العربية، وتخاذل المجتمع الدولي وتقصيره في فرض حل سياسي عادل ينقل سوريا من الدكتاتورية إلى الديموقراطية، مانجم عن ذلك كله عملياً عودة التواصل من قبل النازحين واللاجئين مع النظام نفسه، وبلغ ذلك مبلغاً وصل إلى مستوى دفع الضرائب.
يروي أحد الأشخاص أنه دفع فاتورة كهرباء ٦٥ ألف ليرة سورية، وعند السؤال عن مكان الفاتورة تبين أنها في إحدى المحافظات المسيطر عليها من قبل قوات النظام، وكانت هذه الفاتورة هي مستحقات قديمة، قام صاحب العلاقة بتحويل قيمتها من دولة اللجوء إلى سوريا.
مع الأسف لايزال بعض السوريين القاطنين في المناطق المحررة أو في دول اللجوء يعتقدون أن النظام لديه سطوة الوصول إليهم في المناطق المحررة وفي الخارج ومحاسبتهم. وصل الأمر ببعض كبار السن منا في هذه المناطق إلى تمني العودة لما يسمى بأيام العز (أيام الذل والهوان)، وهذه قناعة بائسة من شأنها إضعاف الموقف الثوري في الأوساط السياسية والإجتماعية، واجهاض روح المقاومة لدى الأجيال السورية الجديدة، التي نشأ معظمها خارج مناطق سيطرة النظام وفي دول اللجوء.
عزز هذا بدوره موقف النظام لدى المجتمع الدولي، ودعم طرحه بإمكانية عودة اللاجئين إلى مناطق سيطرته وخضوعهم له، وأضعف موقف المعارضة السياسية والعسكرية والمنظمات الحقوقية في التعاطي مع الملف السوري أمام الحلفاء وأمام أصدقاء الشعب السوري والدول الداعمة للثورة في مواجهة نظام الاجرام.
ورغم العقوبات الاقتصادية الأمريكية وقانون قيصر والعقوبات الأوربية والمقاطعة العربية وخصوصا الدول الخليجية، التي ثبت جدواها وتسببها بزيادة الخناق على النظام، إلا أنها لم تقنع الكثيرين من المواطنين السوريين في مناطق النزوح ودول اللجوء بفعالية المقاطعة، وأن استمرارها ستكون له نتائج إيجابية على المدى المتوسط والبعبد، ولم تشعرهم بمدى خطورة عودة التواصل مع مؤسسات النظام على القضية السورية.
لا شك أن صمود أهلنا النازحين والقاطنين في المناطق المحررة ودول اللجوء خلال العشر سنوات الماضية سيزداد صعوبة وحياتهم ستصبح أقسى، لأن زيادة شرعنة نظام الإبادة الذي قتل واعتقل وهجر أكثر من نصف الشعب السوري، الذي رفض الرضوخ لأجهزته القمعية المستبدة، من خلال التعامل معه والإقرار بأنه يمثل دولة وليس عصابة، سيجعل المجتمع الدولي يقر بأن هذا النظام قد حقق النصر النهائي ولابد من إعادة احتوائه في المجتمع الدولي، واعتباره دولة مارقة وليست دولة غير مستقرة تحتاج انتقالاً سياسياً.
إن كثيرا من المواطنين إذ يقومون بفعلهم هذا، فهم من حيث لايدرون يمهدون الطريق لإعادة تأهيل النظام من خلال هذا التطبيع المحلي، وهذا ما كان يسعى إليه نظام دمشق طوال عهد الثورة.
بات لزاماً على حكماء سوريا وعقلائها وقادة معارضتها، إجاد حلول ناجعة لدرء مخاطر هذه العملية، وتلافي أثارٍ أشدُ ضراوة وأسوء مآلاً.