مغانم إيران من الحرب في أوكرانيا
مغانم إيران من الحرب في أوكرانيا
بقلم العميد الركن: أحمد رحال
كل أبصار جنرالات وقادة العالم معلقة هذه الايام في تفاصيل الحرب في أوكرانيا, وترقب ما تفعله آلة الحرب الروسية على محاورها وجبهاتها, إلا إيران فعين لها هناك وعينها الأخرى ترقب دول المنطقة من اليمن للعراق إلى لبنان وسوريا, وفي سوريا بات واضحاً حجم الإهتمام الإيراني الذي يحاول أن يستغل الانشغال الروسي بحربه مع جيش يلزنتسكي وما يمكن أن تٌفضي إليه فصول تلك الحرب التي أقلقت الغرب وأقلقت أكثر القيصر بوتين الذي فوجئ كغيره بهزالة جيشه وسوء أدائه وتنسيقه في ساحات وجبهات الحرب.
لكن إيران لا يهمها ما تفضي إليه تلك الحرب, سواءاً انتصر بوتين أو خسر الحرب هناك, بل تتابع لحظة بلحظة التحركات العسكرية الروسية على الجغرافية السورية, وتتابع عبر عيونها تنقلات قطعات الجيش الروسي البرية والبحرية والجوية المغادرة من ميناء طرطوس وقاعدة حميميم, وتتابع أيضاً إخلاء مرتزقة فاغنر لمواقعهم في سوريا وانتقالهم على عجل للجبهات الأوكرانية.
نشاط الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وميليشيات إيران من العراقيين كان واضحاً خلال الفترة المنصرمة, حيث انتشرت تلك الميليشيات وأعادت ترتيب قواتها بأكثر من 120 موقع قتالي جديد يضاف لأكثر من 300 موقع سابق فوق الجغرافية السورية, ويبدو أن هناك اتفاقاً روسياً إيرانياً على أن تتمدد إيران مقابل ضرورات سحب روسيا لأجزاء من قواتها من سوريا, فتسلمت طهران السيطرة على مستودعات “مهين” (ريف حمص) الأكبر عسكرياً في سوريا, وتشاركت مع الروس بالتموضع في مطار القامشلي المدني, كذلك انفردت ميليشيات إيران بالسيطرة على مطار تدمر العسكري ومطار النيرب في حلب.
العداء مع إيران لا يقلل من قدرات قادتهم الفائقة بالاستفادة من التناقضات الدولية واقتناص الفرص والاستفادة من أحلك الظروف وتجييرها خدمة لأهدافهم, وإيران التي تعاني وضعاً اقتصادياً وسياسياً غاية بالسوء لم تصرفها تلك المآسي عن استمرارها بمشروعها الصفوي الذي يهدف لتطويع كامل منطقة الشرق الأوسط عبر أدواتها التي باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا, والاهتمام الإيراني بالملف السوري يأتي بإطارين متكاملين:
الأول: أن سوريا تمثل العقد الوسط الذي يربط عواصم المشروع الإيراني من طهران إلى بغداد إلى دمشق فبيروت والبحر المتوسط, وبالتالي لا مجال لإيران بالتنازل عن هدف السيطرة على سوريا خدمة لمشروعها الذي تعمل عليه لأربعة عقود منصرمة.
الثاني: أن إيران تبحث عن جبهة في الجنوب السوري في الجولان يحاكي ما فعلته عبر حزب الله في الجنوب اللبناني, وجعله جبهة الجولان ورقة ضغط وتفاوض إيرانية مع إسرائيل من باب البحث عن النفع المشترك بينهما, واستثمار إيران بضعف الدول العربية شراكة مع تل أبيب وليس صراعاً معها.
لتأمين المشروع الصفوي الذي حذر منه الملك الأردني عبد الله الثاني منذ عام 2004, صرفت إيران وفق تصريحات مسؤوليها ما يزيد عن 60 مليار دولار على ميليشياتها في سوريا لتمكين دعائم نظام الأسد في البقاء والاستمرار, وساهمت مع نظام الأسد بقتل وتشريد نصف الشعب السوري, وتشاركت مع موسكو (مرغمة) لتنفيذ هدف الحفاظ على الأسد, واليوم وبانشغال الجيش الروسي بترتيب حديقته الخلفية في أوكرانيا, تجدها طهران فرصة سانحة لإعادة تموضعها وإعادة انتشار ميليشياتها للسيطرة على مفاصل التموضع العسكري في المناطق التي ما تزال تحت سيطرة جيش الأسد.
النفوذ الإيراني في سوريا لا يقتصر على الجهود العسكرية, بل تجاوزه للسيطرة على مفاصل الدولة السورية وحكومتها واقتصادها وحتى التعليم فيها, وبدأت إيران بالبحث عن حجج وذرائع لإيجاد مقامات شيعية ترسخ فيها المذهب الشيعي في المدن والبلدات السورية, بحركة تشييع منقطعة النظير تترافق مع عملية تجنيس في دوائر النفوس السورية لميليشاتها الإيرانية والأفغانية والباكستانية وحتى العراقية, للوصول للمجتمع المتجانس الذي تحدث عنه رأس النظام في دمشق بشار الأسد عندما اعتبر أن تهجير نصف الشعب السوري عن بيوته وأرزاقه جعل من سوريا مجتمعاً متجانساً.
هجمة التشييع الإيراني والسيطرة العسكرية الإيرانية تتطلب استنهاض الهمم من جانب المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري, وكما تحاول كل دول العالم الاستفادة من المتغيرات الدولية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا, علينا نحن أيضاً بالبحث عن السبل والطرق التي نستطيع من خلالها تنشيط قضية الشعب السوري والثورة السوري للتنبيه لخطر التحركات الإيرانية على مستقبل سوريا ومستقبل عودة السوريين المهجرين والنازحين, وعلى المعارضة السورية أن تدرك أن مواجهة إيران والأسد عسكرياً وسياسياً هو أمر تفرضه الضرورات وليس ترفاً نلجأ إليه, فالعلاقة التي تربط إيران ونظام الأسد بعصابات البي كي كي (سابقاً ولاحقاً) تجعل من فصائل الجيش الوطني وقيادته السياسية الجبهة المقاومة الوحيدة للمشروع الإيراني في سوريا, والانشغال عن خطر هذا المشروع عبر خلافات داخلية بالقيادة السياسية أو خلافات منفعية على جبهات القتال لن ينعكس إلا مزيداً من التغول الإيراني في سوريا, وما يمكن أن تفعله الثورة اليوم سيصعب فعله بالغد.
فهل تكون هناك صحوة ولو متأخرة للقيادة السياسية والعسكرية؟؟ صحوة تنفض كل ما يعيق العودة لزخم الثورة وتحقيق آمال الثوار المدنيين الذين ضحوا بكل ما يمكن خدمة لثورتهم, ووضعوا تضحياتهم أمانة بأعناق قادتهم العسكريين والسياسيين ليكونوا قادة يشار لهم بالبنان, وليس أدوات تبحث عن مصالحها ومنافعها ومكاسبها ومناصبها.
إيران اليوم تبحث عن افتراس سوريا بشعبها واقتصادها وتاريخها ومستقبلها وتطويعها لمشروع ملالي طهران, فهل نستطيع أن نكون القوة التي يعول عليها شعبنا لوقف هذا المشروع المدمر؟؟
ختاماً بقي أن نقول لإخواننا العرب:
نقدر مواقفكم ودعمكم لقضيتنا, لكن نضال الشعب السوري وعبر ثورته لأكثر من عشرة سنوات لم يكن للدفاع عن سوريا فقط, بل شكلت الثورة الخندق الأول للدفاع عن سوريا والدفاع العرب كل العرب في مواجهة مشاريع إيران الطائفية والصفوية, وعليه نعيد القول مرة أخرى, نحن بحاجة لدعمكم من جديد, فالنار المشتعلة في سوريا قد تجتاز الحدود السورية, وأهداف إيران المدمرة قد تجتاز حدودها أيضاً, والقصف الحوثي للمملكة العربية السعودية والإمارات هو أحد مفاصل المشروع الإيراني بالهيمنة على كامل المنطقة, فهل نجد كتفاً عربياً نركن إليه لنواجه ما يهدد وجودنا ووجودكم؟؟
أم نعود متأخرين للقول: أٌكلت يوم أٌكل الثور الأبيض؟؟
العميد الركن أحمد رحال