الدولة السورية في خدمة نشر التشيُّع الإيراني في سوريا
الدولة السورية في خدمة نشر التشيُّع الإيراني في سوريا
بقلم: صلاح الدين هوى
وكالة ثقة
بعد أن دأبت إيران على نشر التشيع في سوريا بأسلوب ناعم قبل الثورة، باتت تلك العملية ظاهرة واضحة بعد أن سيطرت إيران على مفاصل الدولة السورية، فقد ساهمت إيران بفاعلية كبيرة في قمع انتفاضة الشعب السوري على نظام الأسد واستعادة سيطرته على أجزاء كبيرة من مناطق المعارضة السورية.
حرصت إيران بعدها على استثمار وضعها الاستثنائي باتخاذ خطوات علنية تكرس سيطرتها واستغلالها لهذا الوضع من أجل نشر المذهب الشيعي بين الأكثرية السنية متخذة هذا المذهب غطاء لتحقيق أهدافها القومية الفارسية في المنطقة.
وبدأت إيران ببناء الحسينيات في مناطق عديدة من سوريا مع استيلاء بشار الأسد على السلطة عقب موت والده. لم يكن السوريون يلحظون أي جهد إيراني منظم لنشر المذهب الشيعي في فترة استيلاء حافظ الأسد على السلطة بعد انقلاب 1970 وامتد ذلك حتى وفاته عام 2000. ربما كان حافظ الأسد على دراية بالمشروع الإيراني الذي يهدف للسيطرة على دول المنطقة تحت غطاء نشر المذهب الشيعي فيما الحقيقة هي بسط النفوذ الفارسي.
وكان يدرك أن المشروع الإيراني سيؤدي إلى تحويل نظامه إلى وكيل للنظام الإيراني – الأمر الذي لم يكن يرغب بحدوثه. لكن مع ‘وراثة’ بشار الأسد للسلطة بعد وفاة والده، وجدت إيران فرصتها سانحة بوجود رئيس سوري ضعيف ومهزوز ومن السهل التلاعب به والسيطرة عليه.
بدأت تنتشر الحسينيات اعتباراً من العام 2000 لتكون مراكز لنشر التشيع باستخدام القوة الناعمة في اوساط الأغلبية السنية الساحقة من الشعب السوري. كان واضحاً أن الهدف الأساسي من الحسينيات هو محاولة نشر المذهب الشيعي في المجتمع السني عن طريق إقامة الندوات “الثقافية” ونشر آلاف الكتيبات التي تشرح المذهب الشيعي وتشكك في مذهب أهل السنة والجماعة.
وتتم استمالة كثير من الفقراء بمنحهم رواتب شهرية أو تأمين وظائف لهم في مؤسسات الدولة بمساعدة مدير الحسينية الذي يتمتع بنفوذ واسع في كافة مفاصل الدولة، لكن الثورة السورية ضد نظام الأسد كشفت هدفاً جديداً لهذه الحسينيات حيث باتت تستخدم مراكز لتجنيد أبناء المذهب الشيعي والمتشيعين في الميليشيات الطائفية لخدمة الأجندات الإيرانية في سورية وتمكينها من بسط النفوذ الفارسي على الدولة السورية. وقد استطاعت إيران تحقيق هذا الهدف بعد تدخل الطيران الروسي في أيلول 2016 واتباعه سياسة الأرض المحروقة للتمهيد للميليشيات الإيرانية للسيطرة على مناطق المعارضة السورية بعد ارتكاب المجازر بحق أهلها وتهجيرهم منها.
أجهزة الدولة تساهم بالتشييع العلني
انتقلت الميليشيات الإيرانية في سورية الى مرحلة التشييع العلني بعد اتفاقيات خفض التصعيد وهدوء الجبهات، ومع بداية العام 2020، أنهت الميليشيات الإيرانية آخر مرحلة من حملات التهجير لأكثر من مليون شخص، وبذلك أصبحت مناطق النظام خالية من أي فكر معارض لمشاريعها في سورية. فباتت إقامة الطقوس المذهبية علنية في المناسبات الشيعية – وهي كثيرة- تمهيداً لجعلها روتيناً يومياً في حياة المواطن السوري مما يجعل الفكر الشيعي مقبولا لدى فئة الشباب الصغار. و يلعب عامل الخوف دوراً كبيراً في إحجام الأهالي عن توعية أبنائهم بحقيقة الدعاة لهذا المذهب ومدى إجرامهم بحق أهل البلد. كما أن الوضع الاقتصادي المتردي حيث يقبع 97 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر في (حسب مارك كاتس.. منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية) يسهم في جعل كثير من العوائل السورية فريسة لدعاة التشيع مقابل حصولهم على لقمة الخبز.
ويُعَدُّ افتتاح “الشباك الزينبي” تطوراً لافتاً يشير إلى حجم المد الشيعي في الحياة اليومية السورية ومدى تغلغلها في أجهزة الدولة، فإضافة لطقوس ذكرى عاشوراء الماضية والتي صبغت المجتمع السوري بصبغة مذهبية لم يعتدها من قبل، جاءت عملية نقل ’الشباك الزينبي‘ في طقوس احتفالية متعمَّدة لتكريس تلك الصبغة على الدولة السورية كلها.
ففي أجواء احتفالية، وصل “الشباك” إلى مطار دمشق الدولي في أواخر أيلول الفائت قادماً من العراق على متن طائرة للخطوط الجوية السورية ‘أجنحة الشام’ برفقة فرقة العباس القتالية. وقامت الميليشيات المشرفة على مقام السيدة زينب في دمشق بتفكيك الشباك القديم وافتتاح الشباك الجديد أمام الزوار الذين تم حشدهم لإعطاء المناسبة زخماً طائفيا ً يؤكد تشييع الدولة السورية بكل أركانها.
إن انتقال إيران إلى مرحلة نشر التشيع في سورية باستخدام أجهزة الدولة السورية وتحول هذه الممارسات إلى روتين يومي في المجتمع السوري يُعَدُّ مؤشراً خطيراً عن مدي سيطرة الميليشيات الإيرانية على الدولة السورية، كما أنه مؤشر خطير على احتمال حدوث تغيير مذهبي قد يطال بُنْيَة المجتمع السوري ذي الأغلبية السنّية.