هدوء وحظر تجول في جرابلس بعد اشتباكات إثر خلاف عشائريالنظام السوري يتجاهل وفاة محمد فارس.. تعازٍ أمريكية- ألمانيةسوريون يشيّعون محمد فارس إلى مثواه الأخير بريف حلبتنظيم “الدولة” يتبنى استهداف عناصر “لواء القدس” في حمصجعجع: 40% من السوريين في لبنان “لاجئون غير شرعيين”فجر الجمعة… قصف إسرائيلي يطال مواقع النظامإسرائيل أجّلت استهداف إيران.. طهران استعدت في سوريامأساة في دمشق: وفاة 4 أشخاص من أبناء الحسكة في جريمة قتل مروعةبرشلونة يواجه مشكلات عقب الخروج من دوري الأبطالالعفو الدولية” توثق انتهاكات بحق محتجزين شمال شرق سورياأمريكا وأوروبا تدرسان فرض المزيد من العقوبات ضد إيرانبغالبية ساحقة.. النواب الأمريكي يقرّ مشروع قانون “الكبتاجون 2”“الإدارة الذاتية” تستقبل أول دفعة لاجئين سوريين مرحلين من العراق40 عامًا مضيفًا للحجاج.. وفاة السوري إسماعيل الزعيمالأوقاف السورية تنهي إجراءات تسجيل الحجاج لموسم 2024

إيران وسياسة اللعب على حافة الهاوية

إيران وسياسة اللعب على حافة الهاوية

بقلم العميد الركن: أحمد رحال

بالرغم من موقف معظم السوريين الرافض كلياً لنهج إيران وسياسات توسعها ونتهاكاتها الإجرامية بالداخل السوري وبمعظم العواصم العربية, إلا أن ذلك لا يغير من كون إيران قارئ جيد للتغيرات السياسية, والتطورات الإقليمية والدولية, وأن طهران غالباً ما توظف تلك التغيرات بسياسات صدامية تعتمد اللعب على حافة الهاوية, وخصوصاً بتهديدها للإستقرار والأمن بمنطقة تعتبر قلب العالم السياسي والاقتصادي.

السياسة الإيرانية اعتمدت التصعيد في منطقة الخليج العربي وبحر العرب واليمن, عبر دعم ميليشيات الحوثي وخطف السفن التجارية وناقلات النفط تحت ذرائع مختلفة, رغم أن حساسية منطقة الخليج والممرات البحرية فيها من مضيق هرمز إلى مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر, كونها تشكل عصب مصادر الطاقة العالمية, ومنها تعبر نسب كبيرة من مشغلات الاقتصاد الغربي, وهذا ما دفع بكثير من الدول للمطالبة بتشكيل قوة بحرية عبر تحالف دولي لحماية ناقلات النفط والتجارة العالمية في منطقة الخليج العربي.

العبث الإيراني في الملف العراقي ومنع “مقتدى الصدر” الفائز الاكبر بالانتخابات البرلمانية العراقية من تشكيل حكومة بعد خسارة أنصار إيران لمعظم مقاعدهم في البرلمان العراقي, أيضاً كان مثار انتباه لعدة عواصم وللشعب العراقي, وعادت إيران لتؤكد أنها ليس فقط دمرت العراق بل إنها لن تسمح لقوى وطنية عراقية بإعادة الإعمار أو نهج أي إصلاح سياسي واقتصادي في العراق بعيداً عن أدواتها الفاسدة.

لبنان كان مسرحاً لتفاصيل معادة من المشهد العراقي عندما خسر حزب الله وحليفيه حركة أمل والتيار الوطني لأغلبيتهم بالبرلمان اللبناني, ولبنان قادم على مرحلة صعبة قد تتمثل باستمرار حكومة تصريف الأعمال وبفراغ رئاسي, رغم استحقاقات مهمة ينتظرها لبنان تتمثل بترسيم الحدود البحرية, وتهديدات حزب الله بشن حرب بحرية على سفن التنقيب الإسرائيلية في حقل “كاريش” المتنازع عليه مع لبنان, مما يجعل لبنان ساحة لمخططات إيرانية وورقة تستخدمها طهران بملفاتها العالقة مع الغرب, رغم أن تلك السياسات التدميرية التي يقودها حزب الله الذراع الإيراني في لبنان قد أوصلت الشعب اللبناني للجوع والحاجة وغياب معظم الخدمات.

في سوريا التي تعتبرها إيران محافظتها الـ35 بعد أن باع بشار الأسد ونظامه كل مقدرات السوريين الاقتصادية والخدماتية ومعظم وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية, ووصل الأمر لحقول التعليم والثقافة, وباتت مكاتب إيران في الحكومة السورية ووزاراتها هي مصدر القرار, وإعادة التموضع الروسي في سوريا نتيجة الاجتياح الروسي لأوكرانيا أعطت إيران مساحة إضافية للمناورة على الجغرافية السورية, فزادت حصصها الجغرافية والاقتصادية والأمنية والتشييعية على حساب الحصة الروسية.

تلك المشاهد دفعت بمعظم قادة المنطقة ومعهم شركائهم الغربيين وخاصة الأمريكان لتحسس الخطر القادم من الشرق, خاصة مع ملامح فشل مفاوضات “فيينا”, وفشل كبح طموحات إيران بامتلاك التقنية النووية والقنبلة النووية, ورفض إيران ربط مشروعها الصاروخي ومشروع طائرات الدرون بملف مفاوضاتها مع مجموعة 5+1, إضافة لرفضها المطلق لمناقشة خطر أذرع إيران في عواصم المنطقة العربية.

بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي يتشاطرون الرأي مع قادة دول المنطقة, أن الولايات المتحدة الأمريكية عبر الإدارة الديموقراطية الساكنة في البيت الأبيض, تتوهم عندما تظن للحظة أن سياسة الاحتواء يمكن أن تغير من طموحات طهران بامتلاك سلاح نووي, أو يمكن أن تخفف من طموحاتها بالسيطرة على المنطقة العربية ونهب خيراتها وتدمير اقتصادها عبر مشروعها الفارسي, كما تتوهم بعض الدول العربية أن اتقاء شر إيران أو احتواء خطرها إنما يكون عن طريق التقرب من نظام الأسد, كما فعلت البحرين مؤخراً عندما أعادت سفيرها إلى دمشق وهي المكتوية بإرهاب إيران وتدخلاتها السافرة بالملفات الداخلية لمملكة البحرين.

مساع كثيرة باتت اليوم ترصدها الأعين من عواصم عربية وشرق أوسطية تعمل على تطويق إيران وتقييد حركة أذرعها وحرثها الثوري عبر ربط منظومات الدفاع الجوي لعدة دول, وتشكيل منظومة دفاعية صاروخية متكاملة, وبناء درع آمن أمام خطر الصواريخ الإيرانية وخطر طائراتها المسيرة, عبر نشر قواعد ومحطات استطلاع ورادارات ومنظومات إنذار مبكر مع منظومات حرب إلكترونية متطورة (الإمارات العربية والبحرين), تربط عواصم الخليج مع الأردن ومصر والعراق وإسرائيل, والمشروع يحظى بموافقة الكونغرس الأمريكي لملء فراغ قرار واشنطن بسحب منظومات الدفاع الجوي “باتريوت” و”ثاد” من منطقة الخليج, وسيكون لإسرائيل الدور الأبرز بعد نشر سفنها وغواصاتها في مسرح العمليات البحري المحيط بتلك الدول, بعد أن أصبحت عضواً فاعلاً بمنظومة قيادة المنطقة الوسطى للأساطيل الأمريكية, يترافق الأمر مع تشكيل بنك أهداف عسكري للحرب على الإرهاب وبناء منظومة متطورة لتبادل المعلومات, والتنسيق الأمني, وتبادل الخبرات, وإجراء التدريبات والمناورات المشتركة, وتلك إجراءات واضحة تهدف لتطويق إيران وشل قدراتها التخريبية في المنطقة.

نتائج زيارة ولي العهد السعودي لتركيا التي تمت بنجاح منقطع النظير, والزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي “بايدن” للممكلة العربية السعودية, تؤسس أيضاً لمرحلة جديدة ولشراكات مستقبلية داعمة لاستقرار المنطقة, وقد يكون هدفها الأول كبح طموحات إيران في المنطقة, خاصة مع تراجع الإدارة الأمريكية الديموقراطية عن سياستها السابقة بالانكفاء عن ملفات المنطقة وحلفائها في الخليج والتركيز على الصين والمحيط الهادي فقط, ومراد ذلك التراجع إدراك الولايات المتحدة الأمريكية من جديد لأهمية منطقة الشرق الأوسط الجيوسياسية والاقتصادية, ومخاطر أزمة الطاقة المستجدة نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا, وهذا ما دفع بكثير من الدول لإعادة تشخيص المشهد العام, ورسم استراتيجيات جديدة, وإعادة ترتيب للأولويات, وقد تكون على رأس قائمة هذه الأولويات تحطيم أدوات العبث الإيراني بأمن واستقرار المنطقة العربية والشرق الأوسط.

تحذيرات ملك الأردن عبد الله الثاني وصرخته المدوية بضرورة إعارة الانتباه للتغول الإيراني في الجنوب السوري الساعي لمل فراغ الانسحاب الجزئي الروسي أو عملية أعادة التموضع الروسي في سوريا, والانكفاء العسكري الروسي عن بعض المناطق وتسليمها لميلشيات إيران, والجنوب السوري إحدى تلك الساحات, وسبق وأن حذر الملك الأردني عام 2004 من خطورة مشروع الهلال الشيعي الإيراني في المنطقة العربية, الهلال الذي اقترب من أن يكون بدراً احتلالياً وتوسعياً وتخريبياً لعدة عواصم عربية, بدءاً من صنعاء وصولاً لبيروت عابراً بغداد ودمشق, وبقية العواصم العربية ليست بمنأى عن التفكير الجهنمي لقادة نظام الملالي ولأصحاب عمائم “قم” في إيران.

التغول الإيراني في الجنوب السوري أكدته جريدة النهار (مقال منشور بتاريخ 22_6_2022 بعنوان: إيران تعزز نفوذها في الجنوب السوري … شبكة أنفاق وتحصينات على الحدود مع الأردن) وأكدت لجوء إيران لتكتيكات جديدة باتت تنتهج من قبل ميليشيات إيران وحزب الله في الجنوب السوري, وتحدثت عن تعزيزات تتضمن آليات وسيارات مزودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، تم توزيع عناصرها على المخافر الحدودية مع الأردن، بلباس جيش النظام، كما تم منع عناصر “التسويات” من التواجد في مناطق انتشار الميليشيات, وشرعت الميليشيات الإيرانية بحفر أنفاق وعمليات تحصين للمواقع التي انتشرت بها مؤخراً في محافظة درعا على الحدود السورية مع الأردن, وبدأت عمليات التحصين منذ مطلع الشهر الجاري، بالتزامن مع منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في منطقة الرحية الزراعية، أقصى جنوب شرقي درعا البلد, وجرى حتى الآن، تحصين مواقع الميليشيات قرب القاعدة الجوية غرب جمرك درعا القديم، وبعض المخافر الحدودية في المنطقة، بالقرب من بلدة تل شهاب وبلدة خراب الشحم.

التحرش الروسي بقاعدة التنف التي تحظى بحماية أمريكية فرنسية بريطانية, يأتي كخطوة متقدمة لدعم وترسيخ الوجود الإيراني في سوريا, رغم أن بعض عواصم المنطقة ومنها تل أبيب كانت قد عولت مطولاً على دور لموسكو وقاعدتها في جبلة “قاعدة حميميم” بمهمة تحجيم الدور الإيراني في سوريا, لكن الأمور اختلفت جذرياً بعد شن روسيا لحربها على الأراضي الأوكرانية, وكأن موسكو أرادت الضغط على الغرب ودول المنطقة بالقول: لن أقوم بدور الشرطي لواشنطن وتل أبيب والأردن لضبط تحركات إيران وتحجيمها, وأنتم تفرضون كل أشكال العقوبات على موسكو, وتلك نقطة التقطتها طهران فأصدرت الأوامر لقادة الحرس الثوري الإيراني باستغلال الفرصة والتوسع في سوريا, وزيادة قواعدها ونقاط تمركزها ومكاتب تطويعها, وهذا ما استدعى احتياجات بشرية وعتادية عسكرية جديدة, مع ضرورة تحسين نوعية السلاح الإيراني الموجود في سوريا ولبنان ومنه مخزون صواريخ حزب الله, فزادت الرحلات الجوية إلى دمشق لنقل المقاتلين تحت مسمى “حجاج”, واستخدمت شركة “ماهان” الإيرانية وشركة “أجنجة الشام” الأسدية رحلاتها وركابها لنقل حقائب سفر تحوي عناصر حساسة لتطوير الصواريخ, يحملها ركاب الطائرات المدنية القادمة لدمشق, وإسرائيل التي ترصد الشاردة والواردة من تحركات إيران في ايران وكل مناطق تواجدها التقطت الخبر عبر رصدها الفضائي والجوي وعبر عملائها على الأرض, وأبلغت موسكو بضرورة وقف شحنات طائرات إيران إلى مطار دمشق الدولي, وبنفس الوقت أرسلت تل ابيب رسالة تحذير لبشار الأسد بوقف استخدام المطار الدولي بدمشق لأغراض عسكرية إيرانية, ومع تطنيش موسكو عن الطلب الإسرائيلي, ومع عجز بشار الأسد عن التحكم بالمطار وبأي مفصل في سوريا, كان القرار الإسرائيلي بإخراج مطار دمشق الدولي عن الخدمة لإشعار آخر قابل للتجديد كرسالة قد تعقبها رسائل إسرائيلية أكثر وأقسى في قادمات الأيام, ومنها التهديدات التي ترددت على لسان بعض قادة إسرائيل من أن قصور بشار الأسد الرئاسية قد تكون هدفاً لغارات إسرائيلية مستقبلية, كما هو حال ميناء اللاذقية, ولطهران أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي “بينيت” رسالة واضحة لا تحتاج شفرات لفك رموزها عندما قال: لا حصانة لإيران بعد الآن, وسنطبق معها تكتيك “عقيدة رأس الاخطبوط”, وهذا يعني أن حرب إسرائيل لم تعد تعتمد فقط على ضرب أدوات وأذرع إيران في المنطقة, أو عبر سياسة “جز العشب” التي تقضي بقصف فائض القوة الإيراني الذي يمكن أن يخل بالتوازنات العسكرية بالمنطقة, بل الخطة الجديدة تعتمد ضرب رأس الاخطبوط الجاسم في طهران, وضرب البنية التحتية للوجود الإيراني في سوريا, ومع ربط منظومات الدفاع الجوي في المنطقة (مصر, الأردن, العراق, إسرائيل, معظم دول الخليج), ومع نشر إسرائيل لمحطات راداراتها في الإمارات العربية والبحرين, ومع وجود الغواصات والسفن الحربية الإسرائيلية في البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي, تكون طهران وبسياساتها المتهورة وبلعبها على حافة الهاوية دفعت لتشكيل قوة عسكرية متكاملة تشبه ناتو عربي, أو ناتو شرق أوسطي هدفه الأول وقف “زعرنات” إيران وحرثها الثوري, وضرب سياسة تصدير الثورة المعتمدة بالدستور الإيراني, وانهاء الإحتلال الإيراني لسورية قد يكون في صميم عمل تلك المنظومة الوليدة, وهذا ما يعطي الأمل بقرب زوال إيران وخروجها من سوريا, وقد يكون من الضرورة بمكان ولتحقيق هذا الهدف, إعادة النظر بسياسات الدول الغربية والعربية والإقليمية, بأهمية دعم فصائل الثورة السورية بعد إعادة هيكلتها, وضرورة إعادة تسليحها بالتنسيق مع الحليف التركي, لتشكيل قورة أرضية ضاربة, خاصة مع وجود قناعة لدى الجميع أن خير من يستطيع مواجهة أطماع إيران على الأرض السورية هم أبناء سوريا وحاملي راية الثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى