هدوء وحظر تجول في جرابلس بعد اشتباكات إثر خلاف عشائريالنظام السوري يتجاهل وفاة محمد فارس.. تعازٍ أمريكية- ألمانيةسوريون يشيّعون محمد فارس إلى مثواه الأخير بريف حلبتنظيم “الدولة” يتبنى استهداف عناصر “لواء القدس” في حمصجعجع: 40% من السوريين في لبنان “لاجئون غير شرعيين”فجر الجمعة… قصف إسرائيلي يطال مواقع النظامإسرائيل أجّلت استهداف إيران.. طهران استعدت في سوريامأساة في دمشق: وفاة 4 أشخاص من أبناء الحسكة في جريمة قتل مروعةبرشلونة يواجه مشكلات عقب الخروج من دوري الأبطالالعفو الدولية” توثق انتهاكات بحق محتجزين شمال شرق سورياأمريكا وأوروبا تدرسان فرض المزيد من العقوبات ضد إيرانبغالبية ساحقة.. النواب الأمريكي يقرّ مشروع قانون “الكبتاجون 2”“الإدارة الذاتية” تستقبل أول دفعة لاجئين سوريين مرحلين من العراق40 عامًا مضيفًا للحجاج.. وفاة السوري إسماعيل الزعيمالأوقاف السورية تنهي إجراءات تسجيل الحجاج لموسم 2024

في سوريا: تراجعت روسيا فسيطرت إيران

في سوريا: تراجعت روسيا فسيطرت إيران

بقلم العميد الركن: أحمد رحال

انشغال الروس بالحرب الأوكرانية كدولة محاذية للأراضي الروسية مع ما تشكله من أهمية للأمن القومي الروسي, والمخاوف من تمدد الناتو ونصب صواريخه على أراضيها في حال انضمام كييف لحلف الناتو, شكل أهمية قصوى وورقة سياسية وعسكرية ضاغطة على قادة الكرملين على حساب كل الملفات المنخرطة بها موسكو بما فيها الملف السوري.

النتائج السلبية والإخفاقات التي تلاحق عمليات جيش بوتين على جبهات ومحاور القتال داخل الأراضي الأوكرانية, دفعت بالقيادة السياسية والعسكرية الروسية لسحب معظم قطعاتها ووحداتها الفاعلة من نقاط انتشارها في الجغرافية السورية, وإعادتها إلى روسيا مع الكثير من عتادها العسكري وطائراتها, حتى أطقم ضباط العمليات في قاعدة حميميم تم سحبها بعد تعيين بوتين لسفاحه في سوريا الجنرال الروسي “ألكساندر دفورنيكوف” قائداً عسكرياً للقوات الروسية العاملة في الحرب على أوكرانيا.

ضغوط جبهات أوكرانيا والإخفاقات العسكرية في الأسابيع الأولى من الحرب دفعت بالقيادة العسكرية الروسية أيضاً لإعادة رسم خطط الحرب, وإعادة ترتيب الأولويات, وهذا ما استدعى تفريغ معظم النقاط العسكرية التي كانت تشغلها القوات الروسية على محاور وجبهات سوريا ونقلها إلى أوكرانيا, باعتبار أن تلك القوات تتمتع بحالة جاهزية قتالية عالية, واكتسبت خبرات متطورة من خلال قتالها في سوريا, وحتى لا يحدث الفراغ وتضيع إنجازات بوتين العسكرية في سوريا كان القرار بتسليم المواقع المتروكة من قبل روسيا في سوريا لميليشيات إيران حليفها الأكبر للحفاظ على نظام الأسد, وهكذا استلم الإيرانيون مطار تدمر ومطار النيرب في حلب ونصف مطار القامشلي وقد يتم تسليمهم أيضاً مطار دير الزور العسكري إضافة لمدرج الشحن في مطار دمشق الدولي, وإيران بالأساس تسيطر (أو تتشارك) مع نظام الأسد بمعظم مقرات قيادة الفرق العسكرية والجوية في نظام الأسد, إضافة لسيطرتها على مراكز البحث العلمي ومراكز التصنيع العسكري, وحتى أمنياً فهناك الكثير من أجهزة الأمن التي تدين بالولاء لأوامر طهران والضاحية الجنوبية في بيروت أكثر مما تدين بتنفيذ أوامر قصر الرئاسة في دمشق, وبالتالي تصبح إيران المسيطر الأكبر على مفاصل الدولة السورية عسكرياً وأمنياً وحتى حكومياً.

ما فضحه اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة, الذي ضبط خلية أمنية يقودها نضال وبدر الشعابين, تقوم بالاغتيالات وعمليات الخطف والتصفيات الجسدية وتعمل بمناطق الجنوب السوري وتقاد من غرفة عمليات تضم (المخابرات الجوية والأمن العسكري وحزب الله), وتوجيه عمل خلية بدر الشعابين يتم من قبل المخابرات الجوية عبر المساعد أول محمد حلاوة (أبو وائل) آمر حاجز بوابة مدينة درعا, ومهمته نقل أوامر العميد خردل ديوب رئيس فرع المخابرات الجوية في درعا إلى المنفذين مع مكافآتهم المالية التي تصل لثلاثة ملايين عن كل عملية اغتيال, أما توجيه وإسناد المهام للخلية من قبل الأمن العسكري فيتم عبر المساعد أول (أبو قصي) من خلال تعليمات ينقلها عن رئيس فرع الأمن العسكري الذي يتلقى أوامره مباشرة من شعبة المخابرات العسكرية في دمشق (الفرع 215), ونضال الشعابين (شقيق بدر الشعابين) يرتبط مباشرة مع قيادات حزب الله في الجنوب وينفذ أوامرهم (نضال الشعابين قٌتل أثناء عملية اعتقال الخلية من قبل اللواء الثامن بعد أن أطلق النار على والده وشقيق آخر له لانهم أرادوا تسليمهم للواء الثامن), ويشترك مع نضال وبدر بتنفيذ مهام الخلية عدة عناصر منهم بدر البدري وأبو أحمد نبكية, والخلية متشعبة الارتباط بعدة قرى أهمها (النعيمة, كحيل, نصيب, أم المياذن), وحتى أن هناك نساء من بين أعضاء الخلية, يتشاركون جميعاً بتنفيذ الأوامر الصادرة من المخابرات الجوية والأمن العسكري وحزب الله, والتي تتمحور عادة بعمليات اغتيال وخطف وتصفيات, ضد قيادات من الجيش الحر أو ناشطين ثوريين, أو شخصيات وطنية, وحتى أنهم يقومون وبأوامر من مشغليهم بتنفيذ عمليات اغتيال لبعض عناصر المصالحات, لأن نظام الأسد لديه قناعة مطلقة أن كل مسرحية المصالحات لم ولن تغير بقناعات السوريين الرافضين لنظام الأسد جملة وتفصيلاً, وإنما اعتبروا المصالحات وسيلة للبقاء بقراهم وبلداتهم من أجل متابعة ثورتهم التي أقسموا على نصرتها.

الإعتراف المصور والموثق الذي أدلى به بدر الشعابين, يعطي صورة واضحة عن مدى تغول إيران وأدواتها ومنها حزب الله في سوريا عامة وفي الجنوب السوري بشكل خاص, ويؤكد الاعتراف أن كل الوعود والضمانات الروسية التي أعطتها للأمريكان والإسرائيليين والأردنيين وبعض دول الخليج, من أن موسكو ستعمل على تحجيم الدور الإيراني في سوريا, هي وعود كاذبة تفتقد للمصداقية والغاية منها التضليل, لأن موسكو عاجزة أساساً ولا تملك القدرة على ضبط إيقاع تحرك الميليشيات الإيرانية الأكثر وجوداً على الساحة السورية والأكبر عدة وعتاداً من الوجود الروسي.

إيران التي باتت خططها معروفة ومكشوفة للسوريين ولكل متابع, تولي أهمية أولى وقصوى لوجودها في شرقي سوريا عبر الكوريدور الذي يربط طهران بدمشق والضاحية الجنوبية والمتوسط من خلال العراق, لذلك أنشأت هناك أكبر قاعدة إيرانية خارج أراضيها هي قاعدة (الإمام علي) جنوب مدينة الميادين, والإهتمام الإيراني الثاني هو في الجنوب السوري, حيث تطمح إيران لاستنساخ تجربة حزب الله في لبنان وخلق جنوب لبناني آخر مقابل الجولان المحتل, تضغط من خلاله على إسرائيل لكسب نقاط إضافية تساعدها في السيطرة على دول المنطقة, ولتحصيل اتفاق موزون في مفاوضات الملف الإيراني النووي الجاري في فيينا, والاهتمام الإيراني الثالث في سوريا يقع في ميناء اللاذقية, حيث تطمح من خلاله إيران إيجاد مرفأ آمن على شواطئ بحر المتوسط تنقل منه وإليه نشاطاتها العسكرية, وتؤمن منفذاً لتجارة المخدرات المنتجة بمعامل حزب الله في القلمون الغربي وفي مدينة القصير والبقاع اللبناني, بعد أن أصبحت تجارة المخدرات وخاصة حبوب الكبتاغون تشكل رافداً اقتصادياً أساسياً لخزينة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ونظام الأسد بعد تدهور اقتصاد كل هؤلاء نتيجة العقوبات الغربية التي كبلت اقتصادهم وتجارتهم (تقارير صحفية غربية أكدت أن عائدات المخدرات تدر لا أقل من خمسة مليارات دولار سنوياً لحزب الله ونظام الأسد).

تمدد إيران وميليشياتها في الجنوب السوري شمل مؤخراً نقل كتائب “الإمام” من مدن الميادين والبوكمال في ريف دير الزور إلى بعض قرى الجنوب السوري التي تطل على الجولان المحتل, وإيران بالأساس لها وجود كبير هناك عبر ذراعها الأقوى حزب الله, وعبر حليفها النشط اللواء ماهر الأسد والفرقة الرابعة التي يقودها, وأيضاً هناك معلومات عن إمكانية نقل لواء القدس الفلسطيني الذي بايع بالولاء للحرس الثوري الإيراني بعد توقف رواتبه من قاعدة حميميم ووزارة دفاع الأسد, ولا ننس عمليات التطوع والتدريب والتشييع عسكرياً ودينياً التي تشكل رافداً لإيران في الجنوب السوري, إضافة لولاء أجهزة الأمن الأسدية من مخابرات جوية وأمن عسكري للقيادة الإيرانية.

خريطة الولاء والتموضعات والسيطرة في الجنوب السوري تدلل بشكل واضح أن رايات ميليشيات إيران باتت طاغية من المنطقة المحاذية لمطار دمشق الدولي إلى بلدات السيدة زينب والكسوة وتتمدد نحو الجنوب حتى تصل معبر نصيب مرورواً بكل أرياف مدن درعا والقنيطرة.

سيطرة إيران على الجنوب السوري بعد انكفاء الدور الروسي في سوريا, ترافقها مطواعية وتماهي بشار الاسد مع النهج الإيراني, وتلك تطورات تؤكد أن الجغرافية السورية ستشهد قريباً تصعيداً أكبر من الهجمات الجوية والصاروخية الإسرائيلية, وسفتح المنطقة أمام احتمالات أوسع من الاستنزاف وتمدد أزمنة الإقتتال على الأرض السورية إلى أجل غير مسمى, وهي رسالة يجب أن تصل لمن ظن أو يظن أن تقربه من دمشق يمكن أن تدفع بنظامها للخروج أو مجرد التفكير بالخروج من الحضن الإيراني, وزيارة بشار الأسد الآن لطهران تعكس مدى ارتباطه بالمشروع الإيراني المزعزع لاستقرار كامل المنطقة العربية ودول الإقليم, تلك الزيارة التي تبعت زيارة تمت منذ اسبوعين لراسم الخطط الأمنية السورية اللواء علي مملوك, الذي زار طهران وطلب منهم ملء فراغ الانسحاب الروسي من سوريا, واليوم يكمل المهمة بشار الأسد ليس فقط بتسليم الجنوب السوري بل بتسليم كامل البلد لتصبح سوريا فعلياً المحافظة 35 من محافظات إيران.

زر الذهاب إلى الأعلى