نظام الأسد وانحسار الخيارات بين الحضن الإيراني والروسي
نظام الأسد وانحسار الخيارات بين الحضن الإيراني والروسي
درويش خليفة – صحفي وكاتب سوري
تشير معلومات عديدة عن توسع الميليشيات الإيرانية في مناطق مهين في حمص وسط البلاد، ومطار النيرب في حلب، بعد أن كان متنازعا عليه بين الجانبين الروسي والإيراني، بل وتتمدد إيران في شرق البلاد بمحيط مدينة الرقة، وقامت مؤخرا بإعادة تموضعها على الجغرافية السورية مستغلة انشغال الروس في معركتهم بأوكرانيا، وإيجاد حلول لهذه الورطة غير محسوبة النتائج.
وتبيّن معلومات متواترة أخرى، عن وصول قادة من الحرس الثوري الإيراني، إلى حمص، مثل مناع الحسين، وكرار حسن علي وثلاثة آخرين، وكذلك استيلائهم على ثلاثة أبينة ومدرسة في السخنة شرقي حمص بهدف إنشاء مربع أمني.
من جهته، واصل “حزب الله اللبناني” تعزيزاته إلى بلدة القريتين، وبحوزتهم أسلحة محمولة على الكتف، واتخذَّ عناصره من المدرسة الإعدادية في البلدة مقراً لها. إضافة إلى ذلك عزز الحزب تواجده في بلدة خان طومان بريف حلب الجنوبي، كما وصل القيادي العراقي عبد السيد الموسوي إلى جبل عزان في جنوبي حلب.
مما يؤكد أن إيران هدفها السيطرة على الطريق البري الواصل بين الحدود العراقية – السورية، الذي يمدّ النظام السوري وحزب الله بالسلاح والعتاد والقوة البشرية.
وبالنسبة لـ “إسرائيل” فهي تجد أن أي تحرك إيراني بالقرب من حدودها الشمالية يشكل مصدر قلق لها، وبالتالي سترَّد عليه، وخاصة بعد المعلومات التي تتحدث عن جلب إيران لطائرات مسيرة من نوع مهاجر 2، والتي يصل ارتفاعها قرابة 7 كلم، ويطيل بقائها في الجو لمدة 24 ساعة، وهو ما يقلق إسرائيل بالطبع.
توجه جديد أم استمرار لنهج سابق
بعد أن سردنا آنفاً تحركات الميليشيات الإيرانية والأذرع الموالية للحرس الثوري، يحذونا سؤالاً، هل ما يحدث هو جديد على تلك القوى، أم أنه جزء من استراتيجية بسط سيطرة إيران على سوريا ومقدراتها؟
يمكننا أن نلخص الجواب، عبرَّ مقارنة القوى البشرية المسلحة التي استقدمتها إيران وروسيا إلى سوريا، فالغلبة المطلقة وبنسبة كبيرة، هي للقوات الإيرانية. أما فيما يتعلق بإعادة التموضع لهذه الميليشيات دون مشاورة الروس، فقد يكون لمزيد من السيطرة الميدانية وليس لسدّ نقصٍ على الجبهات العريضة شبه الهادئة على مساحة الجغرافية السورية.
كما أن معارك البادية، التي كانت تقودها روسيا جواً والفرق العسكرية في جيش النظام غير المدربة بالمقارنة مع الشراسة القتالية لتنظيم الدولة “داعش”، لم يتم قطف ثمارها، لأن طبيعة المعركة مختلفة وبالوقت نفسه، كانت إيران تعارض أي نوع من هذه المعارك، حتى لا تخسر مزيداً من عناصرها، فقد ركزت خلال السنوات الماضية على استخدام الطائرات المسيرّة في البادية، لكن العدو ليس داعش، إنما من جاؤوا من أجل دحر التنظيم الإرهابي، وهم قوات التحالف الدولي، وخاصة “قاعدة التنف” التي تتحصن فيها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية.
في هذا السياق، سبق أن كشفت مصادر محلية مطلعة، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا عن “تراجع الضربات الروسية في سوريا، بسبب الحرب في أوكرانيا.” مبيناً أن “الأراضي السورية شهدت تراجعا لافتا وملحوظا في نشاط القوات الروسية بمختلف مناطق تواجدها، منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا” في 24 فبراير الماضي. وكذلك “تراجعا بالقصف الجوي الروسي على البادية، بمعدل تراجع 4 مرات عما كان عليه قبل الحرب الأوكرانية”.
الأسد بيدق في الرقعة الإيرانية
في أثناء كل تلك التحركات الإيرانية المريّبة، جاءت زيارة بشار الأسد إلى “طهران” لتأكد عمق العلاقات بين النظامين، وفي الوقت نفسه؛ إيصال رسالة لكل الطامحين بانتشاله من مخالب الخامنئي، مفادها بأنَّ العودة إلى الحضن العربي، لن يتعدى دائرة المساعدات الإنسانية، ووشاية مخابرات النظام على معارضي حكمه، وتحميلهم مسؤولية التطرف في الإقليم.
كما أن الأسد، يعلم جيداً أن انحسار دور أياً من حلفائه (الروس والإيرانيين) ليس في مصلحته، لذا كانت الزيارة لطمأنة مواليه وطلب زيادة المساعدات النفطية والغذائية.
وفي وقت خبو الدور الروسي بالمنطقة، وانفتاح بعض الدول الخليجية على رأس النظام السوري “بشار الأسد”، في محاولة لاستدراجه وتقديم المغريات التي من شأنها انتشاله من المحنة الاقتصادية، تقوم وبشكل متكرر الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة في جيش النظام بقيادة ماهر الأسد، لإغراق دول الخليج والأردن بالمواد المخدرة وخاصة “الكبتاغون”.
ما يمكن قراءته، أن الأسد يستخدم برغماتية مطلقة في علاقته مع حلفائه الروس والإيرانيين من جهة ومع الدول العربية المطبعة معه من جهة أخرى، حيث كان وما يزال مستعداً لتقديم أي تنازلات في سبيل البقاء على رأس السلطة السورية، لذَّا إيران تريده مطيعاً خالصاً لها، كي لا تضعف أوراقها التفاوضية مع المملكة العربية السعودية.
ولا يفوتنا ما قاله الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” خلال استقباله الأسد، مذكراً إياه أنه “عندما راهن بعض قادة العرب وغير العرب في المنطقة على سقوط الحكومة السورية، إيران وقفت إلى جانبها هي وشعبها”، معرباً عن أسفه لأن “أجزاء مهمة من الأرض السورية ما زالت تحت احتلال القوات الأجنبية”.
سباق اقتصادي بين المحتلين
على صعيد التنافس الاقتصادي الإيراني – الروسي، في سوريا، عبرَّ التسابق في الاستحواذ على المزيد من المكاسب السورية، فهو يكمن في استثمار مطار دمشق الدولي وميناء بانياس على ساحل المتوسط، الذي يصل قاعدتها في طرطوس مع حميميم، وسحب ميناء اللاذقية من براثن الحرس الثوري الإيراني، كما فعلت الشركات الروسية بإجبار النظام السوري على نقض عقد الفوسفات مع شركات إيرانية تابعة للحرس الثوري في بادية تدمر وسط البلاد.
غير ذلك، هناك معلومات أولية عن أحياء الولايات المتحدة الأمريكية، للمشروع الذي نادت به واشنطن قبل عامين، وهو توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق سياسيا وعسكريا، بالتنسيق مع تركيا، وهو بلا شك سيضعف الدور الروسي والإيراني في سوريا. ويبقي أدوارهم محصورة في المنطقة الوسطى والساحلية، وبالتالي خسارتهم للمناطق النفطية والزراعية السورية، وهذا بلا شك يعيق مشاريعهم التي تعيد تأهيل بشار الأسد ونظامه مستقبلاً.